ولنا رأي

عندما تحرك الدفار (2)

 صلاح حبيب

ظل الدفار مرابطاً بمستشفى (نجيب التخصصي) منذ الخامس عشر من ديسمبر الماضي، كان بمثابة صالون يتجمع فيه الناس على أمل أن تخرج شقيقتنا “عواطف” من العناية إلى الغرفة، ولكن السكنات بيد الله، فظل “الصادق” وشقيقه “منتصر” و”حيدر” والأصحاب وأبناء الأسرة مرابطين، إما جلوساً خلف الدفار، أو نياماً بالليل حينما يتفرق الزوار، كانت الأخوات “نادية” و”الهام” و”حنان” و”سميرة” و”سوسن” و”رؤى” و”رانية” و”عمر عز الدين” يأتون بالغداء، والدكتورة “سلمى مجذوب” تأتي يومياً وزوجها بشاي الصباح، والابنة “مثاني” بشاي المغرب يومياً، والزوجة “مها عمر” و”أمير الطيب” وابنه وزوجته و”نجلاء مهدي”، وزوجها لم تنقطع “مثاني” حتى لحظة الوفاة، كانت الوحيدة التي حضرتها دون سائر الأسرة التي كانت تتتجمع يومياً، ونقول أيضاً إن ارادة المولى في ذلك اليوم جعل الكل يذهب حتى لا تكون الصدمة أعنف عليهم، معظم أفراد الأسرة رجالاً ونساءً وشباباً لم ينقطعوا ليلاً أو نهاراً في انتظار أن يكتب المولى لعواطف الشفاء، والخروج نهائياً من المستشفى، ولكن كما ذكرت فإن مستشفى (نجيب) مجهز بأجهزة حديثة ينقصها الطاقم الطبي، فالمستشفيات الخاصة ظلت تعتمد على الأطباء من خارج المستشفى تستدعيهم عند الطلب فيأخذ الطبيب مبلغه المالي نظير الخدمة التي قدمها للمستشفى لحظة الطلب، ولذلك فإن المستشفيات الحكومية لابد من عودتها، أما المستشفيات الخاصة فلنتركها لمن أرادها، في اليوم الذي تحرك الدفار بدون أي مقدمات كل الكل يظن أن السيدة “عواطف” قد شفاها الله، وخرجت إلى بيتها، ولكن الدفار تحرك لحكمة ربانية، فقد ظل لما يقارب الشهرين قابعاً في مكانه، لم يتحرك سنتمتراً واحداً، ولكن في ذلك اليوم جاء أحد أبناء عمومتنا فطلب منه ابن أخي أن يحرك الدفار لتملأ البطاطير، وبالفعل ساق الدفار، وخلى المكان من الدفار، حتى الأستاذ “أحمد نجيب” مدير المستشفى ظن أن السيدة “عواطف” قد تم تخريجها، عاد الدفار بعد ساعتين تقريباً إلى مكانه، وعاد الزوار كل بما يملك من طعام وشاي وقهوة، في اليوم التالي كان زواج حفيدة ابنة أخي وابن عمي، فذهبت الى منزلهما لأحثهم على أن تستمر إجراءات الزواج كما هي، فما إن دخلت المنزل جاءني ابن أخي طالباً مني العودة إلى المستشفى لأن أختنا “عواطف” تعبت شوية، ووقتها تأكدت أنها قد فارقت الحياة، ولكن لم يفاجئنى بالخبر أسرعنا في طريقنا إلى المستشفى، فما إن وصلت إلى بوابتها وجدت ابنة أختي “مثاني” تبكي، وتقول لي “عواطف” ماتت يا “صلاح”، انهرت في تلك اللحظة، وأسرعت إلى غرفة العناية، ووجدتها جثة هامدة، وقد أجريت لها كل إجراءات الخروج إلى المنزل، ولكن المدير الطبي قال لي لابد من الذهاب إلى إدارة المرور، ثم وكيل النيابة لتشريحها، سألت عن السبب، فقال لي لابد أن يكتب وكيل النيابة بأنها تعرضت إلى حادث حركة، وليثبت حقها في التعويض، ذهبنا إلى إدارة المرور فتمت الإجراءات، ولكن وكيل النيابة رفض تسليم الجثمان إلا بعد التشريح، فقلت له نحن لا نريد تعويضاً، نريد ستر الجثمان، فتمسك برأيه فذهبنا الى المشرحة فجاء الدكتور “جمال” اختصاصي التشريح، ففحص الجثة، ومن ثم تم التسليم، لم أتوقع أن الأخت “عواطف” بتلك المحبة في قلوب أهل الحارة الثانية، وما جاورها حتى الأطفال كانوا يبكون بكاء مراً، لم أشهد في الوقت القريب جنازة بهذه الكثافة، لم تكن عواطف عضواً في حزب الأمة، ولا الاتحادي الديمقراطي، ولا الحزب الشيوعي، ولا حزب البعث، ولكنها كانت في قلوب كل الناس، تمشي بالمعروف لم يشتكِ منها أحد طوال تاريخ حياتها الحافل بالحب والمشاعر والإخلاص والتفاني في خدمة الأهل والأحباب، لقد ذهبت إلى ربها راضية مرضية تسبقها حسناتها.. نسأل الله الخلود في الجنة مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
الشكر لكل أفراد مستشفى (نجيب) من أكبر زول إلى أصغرهم من داخل العناية أو فى الاستقبال أو سائقي الإسعاف لهم منا كل الشكر والتقدير ولكل الأسرة والأصدقاء والجيران الذين وقفوا إلى جوارنا طوال تلك الفترة العصيبة.. نسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية