الهندي عزالدين يكتب : مراجعات الحركة الإسلامية .. الطريق إلى إنقاذ الشعب الفَضَل
كثُر الحديث خلال عامي (النكبة) في السودان .. عامي الانحطاط الفكري والسياسي .. الاقتصادي والأخلاقي ، عن (المراجعات) المطلوبة لإصلاح حزب المؤتمر الوطني و الحركة الإسلامية.
ويستغل مفردة (المراجعات) بعض خصوم الإسلاميين من حكام اليوم و راكبي موجة الثورة التي اندلعت بسبب رفع سعر الرغيفة إلى (2) جنيه ، فإذا بها اليوم بعد عامين من الثورة تباع ب(25) جنيها ، زادت أكثر من (12) مرة !!
وكما قال مستشار رئيس الوزراء “ياسر عرمان” في برنامج (حوار البناء) بتلفزيون السودان (الشعب لم يخرج في الثورة من أن أجل أيدلوجيات ، بل من أجل لقمة العيش)!! و يا لها من حقيقة مطلقة و باهرة ليس بعدها حقيقة ، وسط كل مهرجانات الأكاذيب والأباطيل و(السواقة بالخلا) التي شهدتها بلادنا خلال هذه الحقبة (الكابوسية) المظلمة.
و الغريب أن من يطالبون الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني بالمراجعات ، ليسوا أعضاء في أحزاب وحركات تعمل وفق أفكار وبرامج و مؤسسات ديمقراطية ! فالسيد ياسر عرمان -نفسه- نائب رئيس حركة مسلحة لا تعرف الديمقراطية و المؤسسية ، قائدها (فريق) ونائبه (كوماندور) !!
و كذا الحال في غالبية أحزاب قوى الحرية والتغيير ، حيث لا مؤسسات حزبية حقيقية، ولا مكاتب سياسية ، ولا مؤتمرات قاعدية ولا رؤساء منتخبون !!
في رأيي .. المراجعات المطلوبة في المؤتمر الوطني و الحركة الإسلامية ليست مراجعات (فكرية) .. ذات صلة بنظرية الإسلام والسياسة وعلاقتها بالحكم ، لا .. بالعكس ، فأمامنا تجربة حركة (النهضة) في تونس التي تنازل فيها الشيخ “الغنوشي” عن كل فكرة مرتبطة بالإسلام ، فصارت اسماً (حركة إسلامية) على غير مسمى ، فقد تنازل “الغنوشي” عن كل شيء وهو يقود حزباً حاكماً مُنتخباً ، سمح بالخمور ، والتعري و الرذيلة ، و مرّر في برلمان يرأسه هو كل القوانين العلمانية ، و تفاهم مع فرنسا وبريطانيا على كل شيء في سياسة تونس الداخلية و الخارجية ، ورغم ذلك أسقطوه .. شر سقطة ، وأغلقوا برلمانه (بالضبة والمفتاح)، فلم يبك عليه باك ، و لا نائحةٌ مستأجرة ، حتى في أوساط الشعب الذي صوّت له !!
بالمقابل .. انظر لتجربة حركة (طالبان) ، فمهما قيل عن تفاهمات أبرمتها مع أمريكا ، فإنها تفاهمات اتخذتها من منطلق القوة العسكرية في الميدان ، (طالبان) لم توافق على أي شرط خلال مفاوضات “الدوحة” للتنازل عن مشروع الإسلام كمنهج للحكم .. إطلاقاً .. !! ورغم ذلك ، دخلوا العاصمة “كابل” وسط دهشة العالم ، بذات جلالبيبهم وسراويلهم وسراويلهم البالية وعمائمهم القديمة ، و لحاهم الطويلة !! وامتكلوا غنائم الجيش الأمريكي من ترسانة حريية هائلة من صواريخ ودبابات و طائرات و آلاف المدرعات و الأسلحة الثقيلة و الخفيفة المقاتلة بما قيمته (85) مليار دولار ، طالبان تملك اليوم 75 ألف مركبة مسلحة ، و 200 طائرة حربية تشمل مروحيات (بلاك هوك) بعدد لا تملكه (85%) من دول العالم ، كما صرح بذلك مسؤول أمريكي !! بينما “الغنوشي” الحكيم المُتساهِل المُتفاهِم قيد الإقامة الجبرية و حزبه محظور و برلمانه مقفول !!
المراجعة المطلوبة من حزب المؤتمر الوطني و الحركة الإسلامية السودانية ينبغي أن ترتكز على تمتين و تقوية مواعين الشورى و آليات الممارسة الديمقراطية داخل الحزب و الحركة ، فلم تتداعى الدولة إلاّ بعد أن انفردت بالحُكم (شلة صغيرة) عددها أقل من أصابع اليد الواحدة، سيطرت على القرار وخدعت الرئيس ، فتحوّل المكتب القيادي ومجلس الشورى في المؤتمر الوطني إلى (مؤسسات بصمة) ونفاق سياسي ، تبصم على قرار المجموعة التي اختطفت الدولة ، ودونكم قرار طرد السفير الإيراني من الخرطوم الذي سمع به وزير الخارجية عبر أجهزة الإعلام .. عام 2015 !!
الآن .. وبعد أكثر من عامين على سقوط النظام .. ما زالت مؤسسات الشورى غائبة ومُغيبة عن اتحاذ القرار في عمل وبرامج الحزب والحركة في المعارضة.
ثم المطلوب في المراجعات .. إبعاد كل الكوادر الرخوة ، و الأخرى المرتبطة بالخارج ، من قيادة و أمانات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ، الكوادر التي سقط النظام وهي متنفذة و متسنمة المناصب الحكومية والحزبية ، الكوادر التي ضللت الرئيس وغررت به في حملة إعادة ترشيحه في (2020) ، ثم تآمرت مع اللجنة الأمنية لإسقاط النظام ، ثم ما زال بعضها يتعاون خفية مع “البرهان” و”حميدتي” في الجزء الثاني من مسلسل (الخيانة)!!
المؤسف و المحزن .. أن هذه الكوادر ما زالت تعمل و هي في الحقيقة لا تعمل ، وما زالت تسيطر على مفاصل الحركة و الحزب ، السياسية و التنظيمية و المالية ، هذه الكوادر غالبها ذاتي و انسحابي و مرتجف ، لا تستطيع قيادة معارضة في ظروف بالغة التعقيد مثل ظروف السودان الحالية ، فالكثير منها يخشى – حتى وهو خارج البلاد – من الإطلالة على شاشة قناة فضائية مثل قناة (طيبة) أو (الجزيرة) ، أو (بي بي سي) ، ليقول كلمة في وجه سلطان جائر ، في وجه حكومة الفشل الانتقالية التي شهد بفشلها وعجزها قادتها وقاعدتها !! بعضهم يتوارى طلباً للسلامة من الهجمات الإسفيرية ، وبعضهم يريد أن يعيش بزعم أنه (بزنس مان) لا شأن له بالسياسة ، وبعضهم يخشى من تلفيق ملفات اتهام ضده بواسطة لجنة (الهمبتة) والتنكيل المحمية من عسكر الغفلة الانتقالية !!
هؤلاء .. يجب أن يذهبوا جميعاً إلى مزبلة التاريخ ليتفرغوا لبزنسهم و أعمالهم ، و يفتحوا المجال لرجال ونساء كالذهب يلمعون ، قلوبهم تغلي كالمرجل، ونفوسهم تعلو في سماوات الطهر العليّة.
دعوتنا للتغيير في قيادة الحركة الإسلامية هي دعوة لتغيير الأوضاع المزرية في السودان ، هي دعوة لانتشال دولتنا من الهاوية و انقاذ شعبنا (الفَضَل) من المحرقة الانتقامية.