سألني مقدم قناة العربية أمس الأول لماذا لم ينحاز الجيش إلى الشعب؟ فقلت له إن الاحتجاجات التي خرجت في التاسع عشر من ديسمبر الماضي والتي اعتبرها المحتجون بأنها ثورة لم تصل حتى الآن إلى مرحلة النضج أو لم تصل البلاد إلى حالة الانهيار الكامل ويكون هناك خطره على البلاد من المتظاهرين أو تدخلات خارجية، ولذلك فإن البلاد ما زالت في حالة استقرار تام عدا بعض الأمور التي تجري معالجتها، وقلت له إن السودان مر بثورتين في أكتوبر 1964 وفي أبريل 1985 وفي الثورة الأخيرة التي عشناها ونحن ناضجون كان الوضع يتطلب تدخل القوات المسلحة بعد انعدمت ضروريات الحياة مثل انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشرين ساعة تقريبا وكذلك انقطاع في خدمات المياه وانعدم العديد من السلع الغذائية بالإضافة إلى أن التظاهرات كانت كثيفة وشارك فيها طلاب الجامعات والنقابات المحامين والأطباء بل تم اعتقال رؤساء النقابات “الجزولي دفع الله” رئيس نقابة الأطباء، و”ميرغني النصري” نقيب المحامين، والعديد من الذين طالتهم الاعتقالات فالبلاد كانت تعيش ظروف صعبة جدا مما جعل ضباط القوات المسلحة الرتب الصغيرة ثم الكبيرة قيمت الوضع تماما ومن ثم اتجهت إلى القيادات العليا الفريق “سوار الذهب وعباس مدني” وزير الداخلية، والعديد من القيادات التي كان من المفترض أخذ رأيها حتى يتم الانحياز إلى الشعب وبعد التقييم الكامل تم الانحياز للشعب حفظا للبلاد من الخراب والدمار فكانت ثورة رجب أبريل 1985ولكن الوضع الآن يختلف تماما عن الثورات السابقة ولن تنحاز القوات المسلحة في ظل الاستقرار النسبي التي تعيشه البلاد، وقال وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان لن يفرطوا في أمن واستقرار البلاد ولن يسلموها إلى شذاذ الآفاق كما قالوا .. بمعنى أن المتربصين بالبلاد لن تقف القوات المسلحة إلى جانبهم ولن تساندهم طالما البلاد في حالة استقرار، ولكن رغما عن ذلك من المفترض أن تتقدم الحكومة خطوات عملية في حل كثير من المشاكل التي دفعت المحتجين الخروج إلى الشارع وحتى لا تتطور الأمور وتتدخل جهات أخرى كما قال الفريق “صلاح قوش” رئيس جهاز الأمن والمخابرات أن هناك خمسة جيوش تنتظر الانقضاض على البلاد، أن الوضع لا يتحمل أي طرقة بندقية ناهيك عن تلك الآلات الحربية التي دمرت العديد من دول الجوار ليبيا وسوريا والآن اليمن التي يرسى لحالها من الخراب الذي أصابها بواسطة أبنائها فنحن لا اليمن ولا سوريا ولا ليبيا، الشعب السوداني من الشعوب المسالمة تريد أن ( تأكل وتشرب) وليست لها تطلعات أكبر من ذلك.. لذا على القيادة أن تجلس مع قيادات الاحتجاجات وهم سودانيون وربما يعرفون بالاسم لإجراء حوار كامل يخرج البلاد والعباد من هذا النفق الذي يمكن أن يضيع البلاد بأكملها وكما جلست القيادة مع العديد من قيادات الحركات المسلحة التي حملت السلاح ودمرت العديد من المدن وقتلت الأبرياء من الأطفال والنساء في دارفور وكردفان والنيل الأزرق فمن باب أولى أن تجلس مع أولئك الذين لم يحملوا السلاح ولم يقتلوا أحدا ولم يشردوا لا نساء ولا أطفال ولا عجزة، فالفرصة مازالت مواتية للجلوس مع بعض لحلحلة المشكلة قبل أن تتفاقم أكثر من ذلك، فهل هناك أذن تسمع نأمل ذلك.