ما يقارب الشهر تقريباً والحرائق مازالت مشتعلة بين الحكومة ومنظمي الاحتجاجات، وكلما حاولت النيران أن تخمد أو تنطفئ تزاد اشتعالاً بسبب اللغة المستخدمة من قبل أعضاء الحكومة، إن الاحتجاجات التي اندلعت في التاسع عشر من ديسمبر الماضي كان بالإمكان احتواءها بكل سهولة إذا كانت لغة الخطاب سهلة وغير مستفزة لأبناء الشعب السوداني التي عرف بالتمرد حال استخدام مثل تلك اللغة، إن الحكومة لم تعير الأمر أدنى اهتمام بل ظنت الأمر طبيعياً يمكن أن ينتهي في يوم أو يومين أو يمكن أن تتم معالجته بإطلاق عيارات نارية في الهواء أو استخدام الهراوات أو إظهار القوة العسكرية، ولكن الشعب السوداني تعرفه الحكومة تماماً إذا ما تمرد فلن يتنازل بسهولة إلا إذا استخدمت الحكومة معه تلك اللغة السهلة، فالأمر الآن فلت، ومن الصعوبة لمه إلا إذا تدخل العقلاء من أبناء الشعب في الحكومة أو المعارضة قبل أن يتدخل المجتمع الدولي الذي يحاول أن يجد له ثغرة ينفذ من خلالها كما حاول أن يلصق عليه تهمة الإرهاب تلك التهمة التي يعاني منها الشعب والحكومة وهي السبب الأساسي لكل المصائب التي جعلتنا في هذا الموقف، رئيس الجمهورية وهو راعي هذا الشعب لابد أن يحدث نوعا من التنازل ولابد أن يجلس مع أولئك الشباب أو المهنيين لحل المشكلة، فالأمر لا يحتمل ولا يحتمل هذا التصعيد اليومي ولا يحتمل أن تتعطل مصالح الناس والدولة بسبب هذه التظاهرات اليومية وإذا استمر الحال فلابد أن تتدخل الأصابع الخارجية بأي طريقة من الطرق في زيادة اشتعال تلك الحرائق التي يمكن أن تضيع البلاد، كما أضاعت العديد من الدول العربية بمثل تلك الطريقة، فسوريا التي كانت آمنة ومستقرة وتعيش في بحبوحة من العيش، الآن يبحث شعبها عن الأمن والاستقرار، فهاجروا إلى أوروبا بحثاً عن الأمن فيها، فلم تتعظ القيادة السورية ولم تعمل على حل المشكلة مع المعارضين للحكم، ولكن استعان النظام بالدول الخارجية فهاجر أبناء سوريا إلى الفضاء الواسع وتدمرت سوريا، وكذا الحال ينطبق الآن على اليمن، فأبناء اليمن من الحكومة والحوثيين لم يتعظوا من سوريا فكرروا نفس السناريو فبدأوا في ضرب بعضهم البعض من أجل كراسي السُلطة، فانهارت الدولة وفقد عدد كبير من أبناء الشعب اليمني إما موتى أو لاجئين أو معتقلين في سجون الحوثيين أو في سجون الحكومة، وما زالت اليمن تبحث عن الأمن رغم التدخلات الخارجية للواسطة والعمل على إيجاد نفق ولو بصيص لجمع الأطراف المتصارعة والعمل على الاستقرار، ولكن العقد تشتت ومن الصعب جمعه بسهولة ما لم تكن هناك تنازلات من قبل الطرفين من أجل المصلحة العامة، والتجارب كثيرة في الدول العربية والأفريقية لعمليات الحل، وما تجربة الهوتو والتوتسي ببعيدة عنا فدولة رواندا عاشت مأساة الفترة الماضية راح ضحيتها آلاف من أبناء الشعب، ولكن حينما توحدت كلمتهم وعادوا إلى وعيهم عادت رواندا إلى الساحة الأفريقية وهي أكثر أمناً واستقراراً ونهضة، فنحن معلمو شعوب العالم الأمن والسلام والاستقرار.. فيمكن إذا حكمنا العقل أن نصل إلى حل المشكلة التي أمامنا اليوم بعيدا عن لغة الاستفزاز وقريبا من لغة الحوار التي تهدئ النفوس وتحاول أن تطفئ تلك النيران.