رأي

عتاب لقامعي المظاهرات

أمل أبو القاسم

أقرت الحكومة بمشروعية المظاهرات، وهي كذلك فعل حق كفلته الدساتير ما لم يصحبه تخريب، إلى هنا والأمر طبيعي يعكس تفهمها ونحن أيضاً نؤمن، بل نخشى عواقبها أو أن يصاحبها تخريب ونهب وخلافه، ومن الطبيعي أن تتدخل الشرطة لفضها (بسبل آمنة) منعاً لأي تداعيات أخرى سالبة، لكن ما حدث ليس كما قيل، وأنا الآن لست بصدد خروج الشارع المتمثل بشكل كبير في شريحة الشباب، فقد تناولت والكثيرون هذا النسق المشوب بضبابية، ولكني أود التركيز على أسلوب القمع من قبل الجهات الشرطية بكافة ألوانها، والتي مع احترامي لدورهم في حفظ الأمن، كانوا الأكثر (هرجلة) في المسيرات المجدولة التي جابت عدداً من محليات الخرطوم العاصمة.
قالوا إنه لا مانع لديهم من المظاهرات كحق، وبالفعل انتظمت المسيرات، ولأنها كانت معلنة على الأسافير بحسب جدولة رعايتها، فقد كانت الوحدات الشرطية حاضرة في المكان بكل عناصرها ولا ضرار في ذلك، فمن المفترض أنها مهيأة تحسباً، بيد أنها وبحسب ما شاهدنا في المقاطع (وكمان شوف) عين، أنها ومع انطلاقة الموكب وبدون أي بادرة شغب من المتظاهرين، تعمد إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع وإطلاق الرصاص في الهواء من أجل إرهابهم.
إلى هنا والأمر مقبول إلى حد، برغم منافاته لمشروعية التظاهر السلمي، إذ ربما رأت الجهات العليا أمراً آخر وتقديرات لا علم وإدراك لنا بها، لكن غير المقبول أنه وبعد إرهاب المتظاهرين والإفلاح في تفريق جموعهم، مطاردتهم داخل الأحياء.
مطلع الأسبوع، كنا شهود عيان على المظاهرة التي شيعها المجدولون في مدينة بحري، ومن أطراف شوارعنا التي تحاذي أحد الشوارع الرئيسية كنا نرقب الموقف الذي لم يخلُ من عمليات كر وفر بين الطرفين، بعد تفريق الجمع وعندما اشتدت حمى المطاردات، اضطر بعض الشباب للقفز عبر السور وبوابات البيوت المفتوحة خيفة الاعتقال، وبالفعل لم تتوانَ أو تتأخر أي أسرة وبيت من الجيران في إيوائهم بما فيهم شخصي، وهو الأمر الذي حدث في جميع المحليات والأحياء، لكن ما حدث هو اغتصاب عناصر الشرطة البيوت ودخولها بدون إذن قانوني في انتهاك واضح لحرمتها، أقول ذلك وأشهد الله أن البناية التي نقطنها كل أدوارها اقتحمت عنوة، وفي الدور الثاني اقتلعوا تليفون صاحبة الشقة التي كانت تصور من البلكونة، أيضاً حدثتني جارتي بأنها شاهدت بأم عينها مواطناً وهو يحمل إناء به فول اشتراه من البقالة، وبلا سابق إنذار جروه لرفعه في العربة، وعندما حاول صاحب البقالة الدفاع عنه تم رفعه أيضاً.
ابني ورفاقه كانوا يجلسون في المكان الذي اعتادوا الجلوس عليه داخل الحي، وبما أن دوريات الشرطة كانت تمشط الأحياء بالداخل، فبمجرد أن شاهدوها تفرقوا جرياً خوفا منها، واحتمى ابني بمخبز قرب المكان، لكن ما حدث أنهم لحقوهم بالداخل ودفعوا بهم للعربة واعتقلوا لعدد من الساعات.. أيضاً مواقف وصور مشينة قدمتها بعض العناصر، وهو ضربهم للفتيات في موقف مخزٍ ولا يشبهنا كسودانيين.
ما هكذا تورد الإبل أعزائي قامعو الثورة والمظاهرات.. فطالما أنكم أفلحتم في تفريق الجموع، ما الداعي لمطاردتهم داخل الأحياء، فبعض هؤلاء لا علاقة لهم بالخروج، وحتى الذين خرجوا جلهم بلا هدف، أغلبهم يافعون لا انتماء ولا فهم سياسي عميق لهم، فقط محض نضال في غير ما عمق، وأظنكم تعرفون الرؤوس الكبيرة والعقول المدبرة، كما تعلمون المندسين بين الصفوف وأصحاب الأجندة، مالكم بالبسطاء والذين لا حول لهم ولا قوة.
أعتقد أن الأمر يحتاج تقييماً ومراجعة شاملة من الجهات الأمنية والشرطية العليا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية