ولنا رأي

الولايات حديد!!

صلاح حبيب

غادرت ولاية الخرطوم أمس الأول إلى ولاية الجزيرة لتقديم واجب العزاء في ابنة خالتي، التي انتقلت إلى رحمة مولاها ، وهي مأسوف على شبابها ،في مخيلتي وأنا في الطريق إلى مدينة ود مدني أزمة الخبز التي تطاول أمدها بولاية الخرطوم، فظننت أن قرى الجزيرة ستتأثر بتلك الأزمة الطاحنة، ولكن شعرت أن الحياة في الولايات تسير بصورة طبيعية لا هلع ولا خوف من لقمة العيش، الكل يستخدم البديل للرغيف ، إما القراصة بالدمعة أو السخينة أو ملاح التقلية أو أي صنف آخر يكون بديلاً لهذا الرغيف الذي ركع البلاد والعباد ، ففي الوجبات الرئيسية تستخدم القراصة والكسرة بديلاً للرغيف، وفي المساء تستخدم الرهيفة ، أي كسرة القمح مع اللبن بلا رغيف بلا لمة، هكذا يعيش سكان الولايات حياة هانئة لا صفوف ولا زحمة، كيفوا حياتهم بالطريقة التي يعرفونها عكس سكان الخرطوم، وإن كان عدد كبير من سكان الولايات سكنوا الخرطوم، فتطبعوا بطباع أهل الخرطوم، فالبديل الذي يستخدمونه في قراهم لا يستخدمونه في الخرطوم، فأصابهم هلع أهل الخرطوم يحومون منذ الصباح على الأفران للحصول على عدد قليل من الرغيف، فلو استخدم سكان الولايات الموجودون بالخرطوم نفس أسلوب قراهم لتراجع أصحاب المخابز عن زيادة أسعار الخبز.
لقد لفت نظري وأنا في الطريق إلى ولاية الجزيرة، العمران القائم في معظم قرى الجزيرة، نهضة عمرانية كبيرة في تلك القرى من بعد أبو عشر إلى أن تدخل ود مدني، فالأرض في ولاية الجزيرة عزيزة، فكل إنسان في الولاية همه كيف يبني منزلاً حدادي مدادي، فمعظم المباني تزيد مساحاتها عن أكثر من ستمائة متر مربع، فالطوب الأحمر والبلوك هي المواد المستخدمة في عملية البناء، فالبناء بالطين انتهى، فلم أشهد مبنًى جديداً قائماً استخدم فيه الطين، بل هناك من شيد عدداً من الطوابق في تلك القرى، فعلى مد البصر تشاهد المباني الجميلة المبنية بالأسمنت ، مما يؤكد أن سكان ولاية الجزيرة من ميسوري الحال، وأن الزراعة إذا ضربت مع الواحد تعطيه ما لا يستطيع جمعه الموظف خلال عشر سنوات، ولذلك معظم أبناء الجزيرة إن كانوا يعملون بالولاية أو في الخرطوم فلم يعتمدوا على الوظيفة فقط، فالزراعة هي المصدر الحقيقي لهم، وإلا فلن تجد تلك المباني المكلفة وقد قام بتشييدها إما موظف بالخرطوم أو عامل بالولايات، لذا فلابد أن تشجع الدولة الزراعة ، وأن تحاول توفير كل معيناتها لاولئك الشباب.. وأن تتغاضي عن المقدمات التي تطالب بها البنوك.. وأن تكون فترة سماح التسديد أطول لتشجيعهم على الزراعة، فمشروع الجزيرة الذي يقال بأنه انتهى، فأنا ومن خلال اليوم الذي أمضيته بتلك الولاية ،أعتقد أن المشروع لن ينتهي أبداً إذا كانت الدولة حريصة على دعم المزارعين وتوفير المعينات لهم، لقد شاهدت القطن وقد نما بصورة جيدة ، وكذلك فول الصويا والفول، فالجزيرة هي الدينمو المحرك للاقتصاد السوداني من قطن وسمسم وفول وغيرها من المنتجات الزراعية التي كان يعتمد عليها السودان من قبل، قبل أن يدخل البترول ويحل بديلاً قوياً لتلك المحصولات، فالبترول سلعة ناضبة، ولكن الزراعة هي الأساس للاقتصاد السوداني فلابد من تشجيع المزارعين عليها وأن تدعمها الدولة بشتى السبل، ثمة ملاحظة لفتت نظري في قرى الجزيرة ، فعلى الرغم من الأراضي الشاسعة إلا أن معظم السكان لا يقومون بالزراعة داخل منازلهم ، مثل زراعة الليمون والجوافة والمانجو والبرتقال وغيرها من الفواكه، التي لا تحتاج إلى جهد كبير، فيجب أن تكون تلك من أولوياتهم بدلاً من شراء كيلو الليمون بثمانين جنيهاً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية