كيف تتم صياغة المواطن السوداني؟!
الزميلة “هنادي عثمان” التي كانت تعمل بإحدى الصحف السودانية اختارت لنفسها أن تعيش في الضباب، التقيناها في زيارتنا الأخيرة لبريطانيا.
“هنادي” شابة مرحة تتمتع بالسخرية والفكاهة، قالت عندما وطئت أقدامها أرض الإنجليز كانت وما زالت على حالة السودانيين تتلفت يمنة ويسرة لكل ما هو مثير أو ملفت للنظر، ولكن بعد أن عاشت فترة أحست أن حياة الإنجليز أعادت صياغتها من جديد، بمعنى أنها اعتادت أن تعيش كما يعيش الإنجليز، لا شيء يثير فضولهم.. تتعامل كما يتعاملون.. تقف في صف المواصلات لا تستعجل الركوب كما هو الحال في السودان (تأتي آخر زول وتركب أول زول).. لا تستعجل الشراء في المحال التجارية، أي لا تسبق من جاء قبلها.. لا ترفع صوتها في الشارع العام أو في الأماكن التي لا تتطلب رفع الصوت.. تستخدم كلمة (أسفة) لأي شخص أخطأت في حقه.. لا تتدخل فيما لا يعنيها.. تستفيد من زمنها ولا تضيع دقيقة من وقتها فيما لا يفيد.. قالت بالفم المليان: (لقد تمت إعادة صياغتها من جديد.. لا تتنرفز أو تثور أو تغضب كما هو حال السودانيين لأتفه الأسباب)، وقالت: (أصبحنا باردين كبرود أهل البلد).
إذا أجرينا مقارنة مع ما قالته الزميلة “هنادي” نجد الأنانية وحب الذات مسيطراً على معظم السودانيين صغيرهم وكبيرهم، فإذا كنت تقود سيارة وكان الشارع زحمة تجد من يأتي من الوراء ليتقدمك دون مراعاة لك، مما يؤكد أنانيته.. وإذا دخلت إلى محل تجاري وكنت تتقدم الناس يأتي من الخلف شخص آخر فيتقدم الآخرين دون مراعاة لمن جاءوا قبله.. وكذا الحال في المخابز والمواصلات.. والسبب الأساسي هو التربية التي لها أثر مباشر، فالمواطن منذ الصغر اعتاد أن يكون أنانياً فيأخذ حق الآخرين.
أما في مجال العمل فتجد الشخص يلهث وراء الوظيفة، فإذا ما حصل عليها يبدأ في التسيب وبحجج واهية.. أو يقول (نعمل على قدر مرتبهم) في حين أن هذا الشخص موظف أو عامل حفيت قدماه للحصول على تلك الوظيفة.. وكذا الحال أثناء ساعات العمل.. الخروج لتلبية دعوة إفطار أو غداء أو تقديم واجب عزاء في فقيد للمؤسسة.. لا يتم ذلك في وقتهم الخاص.
إن المواطن السوداني يحتاج فعلاً إلى إعادة صياغة حتى نشبه دول العالم التي نهضت وأصبح لها شأن، فيجب ألا نتباكى على ما نحن عليه، فالجميع مسؤول.. مواطن داخل الحكومة أو مواطن عادي.. فهذا حالياً بالمسطرة لا يشذ أحد عن الآخر.. فالانضباط ضرب من المستحيل.. والالتزام بالمواعيد نجوم الليل أقرب.. والوفاء بالعهود والدين من سابع مستحيلات.. فكيف إذاً نصيغ المواطن ليشبه بقية خلق الله؟!