ماذا بعد؟!

"وسام" العودة..!!

ليتني عرفتك منذ زمن بعيد .. وليت المكان غير المكان والزمان غير الزمان.. ليت العالم يفهم أن بين الركام جمرةُُ لم تنطفئ بعد.. وفوق السحاب مطرُُ لم يهبط بعد.. وتحت الأرض كنوز مخبوءة لم تكتشف بعد.. “وسام” أين كنت كل هذا الوقت.. هل كنت بيننا ولم نكن نراك.. أم تواريت عن أنظارنا وفضلت الغياب.. “وسام” أيتها الوردة الحانية في صمتك يمارسون ثرثرتهم المجانية.. يعزفون على وتر تزجية الوقت.. يتباهون ببطولاتهم الوهمية.. يستعرضون نضالاتهم الورقية.. يفترشون أحلامهم سجادة حمراء للغرباء.. لكم هي رخيصة أوسمتهم حين توضع إلى جانبك يا “وسام”.. “وسام” التي جاءت إلى الدنيا بضحكة وليس صرخة.. “وسام” التي قالت الشعر في المهد واحتوت قريتها بدفء “مريم” وحكمة السنين.
بين قريناتها جلست حين مرة وقالت : هذه القرية الصامت أهلها.. هذه البيوت الحزانى.. هذه الأرض الجدباء.. ما عادت السماء تمطر والشمس تمارس الغياب.. الخيل تحتبس الصهيل.. والفيلةُ تدوس النمل.. النحلةُ تضع السم في العسل.. الفراشة تموت بلسعة الضوء.. البالونات الحمراء تفرقع في وجوه أطفال القرية.. الحانوتي العجوز ينتقل إلى مولاه.. الناس مصابون بالتأتأة.. ثم سكتت “وسام”.. فقالت النخلة : أيها الناس.. قريتنا بخير.. أطال الله عمر العمدة.. في عهده الميمون عانقت النخلات السماء.. فتنزلت الثمرات من علو.. خير وفير ونعم عميمة.. كان الناس من قبل تعساء لا يجدون قوت يومهم.. يتعاركون من أجل الماء.. يقتل بعضهم بعضاً لأجل نخلة.. وما أكثر السفهاء والماجنون.. ليل القرية كان طويلاً.. والأعداء بها يتربصون.. العسكر يهيمون في الثغور.. وأطل العمدة بنوره وتقواه.. العارف العابد.. الأمين القوي.. المنقذ المخلص..
“وسام” ظلت تشعر بالملل ورتابة القرية.. هل عليها أن تصدق النخلة.. أن تطمئن للأحوال والأوضاع.. أم حان الوقت للحاق بطابور الصباح قبل أن تقرع الأجراس وتمتلئ الفصول وتتداخل المواسم.. أتى الخريف يا “وسام”.. تهدمت القرية.. تفرق أهلها في الشتات.. ماتت النخلات وهي نائمة.. شهود الزور وما أدراكم ما شهود الزور.. لا بواك عليك أيتها القرية الظالم أهلها.. غداً إن أشرقت الشمس واجتمع في الصقيع الأعمام والعوام وتبادلوا الحكي على قارعة المكان ربما يسألون عنك يا “وسام”.. لماذا خرجت من القرية قبيل الخريف.. أين ابتعدت وسافرت.. ولماذا تعودين الآن يا”وسام” .. تأخرت كثيراً في منح من يستحق هذا الوسام.
العصافير تشقشق باكراً.. الجنات تفتح أبوابها للفقراء.. الموعودون بالعذاب يبكون طلباً للرحمة.. الصابرون ينظرون  للسماء.. وسام تتماهى بحثاً عن رفيق درب ترعرع في ذات القرية.. لم يهرب حين ضربها زلزال.. ظل يقول :الأرض لأهلها.. والغرباء ماضون.. خطأ الصغار يقومه الكبار وخطأ الكبار يفتح أبواب الندم.. سذج من لا يتعلمون من أخطائهم.. جبن وعار طعن الظل والفيل مر من هنا.. يا صاحب العمامة البيضاء “وسام” لم تعد تبحث عنك.. “وسام” كانت لغيرك لكنه لم يكن يراها غير أنها كانت تراه!!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية