ولنا رأي

أسبوع في عاصمة الضباب (2)

فتن السودانيون بالإنجليزية وأحبوهم رغم استعمارهم لهم.. والذهاب إلى “لندن” كان أسهل للمثقفين السودانيين من الذهاب إلى أي دولة أخرى، وأخذ الرعيل الأول من الإنجليز الانضباط وحب العمل والتفاني فيه، بل كانت حياتهم (مظبوطة) كساعة (بيج بنج).
خلال زيارتنا للندن الأسابيع الماضية بدعوة من السفارة البريطانية والمركز الثقافي البريطاني ومؤسسة (طومسون) والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، بغرض الوقوف على الصحافة الإنجليزية ومدى تطورها بجانب المحاضرات من المتخصصين في مجال الصحافة مثل البروفيسور “رتشارد تيد” ومدام “هيلي”.
“لندن” تشبه مباني الخرطوم إلى حد كبير خاصة المباني العتيقة التي طالها التغيير من الخارج مثل محافظة الخرطوم أو المعتمدية التي تحولت الآن إلى مجلس الوزراء، فشكل المبنى القديم يشبه كثيراً من المباني العريقة بـ”لندن” وكذلك مبنى السلطة القضائية.
عندما خرجنا من مطار “هيثرو” في طريقنا إلى داخل المدينة لم أحس لحظتها بالدهشة، فكم دخلت العربة إلى طريق كأنه أحد طرق الخرطوم، فلندن محتفظة بمبانيها القديمة عدا بعض التحولات التي طرأت في المباني ذات الطوابق المتعددة.. فمن عاش في الخرطوم فترة الستينيات يحس بالهدوء الموجود الآن في “لندن” من حيث الحركة، فالحركة فيها منسابة ولا توجد ضوضاء ولا أصوات (الكلكس) البوري ولا أصوات المواطنين كالألفاظ والعبارات التي تسيء إلى المواطن الآخر، خاصة أصحاب مركبات التاكسي، حافلة، أمجاد، ركشة.. فالألفاظ النابية التي يستخدمها أولئك مثل يا حمار يا مغفل الشارع حق أبوك خلاص أمشي تعال الأول، كل تلك العبارات غير موجودة في سجل المواطنين الإنجليز، فكلمة آسف وسوري هي المستخدمة، فالسرعة داخل المدينة لا تتجاوز العشرين كيلو، ولا يوجد تخطي بين السيارات ولا توجد حوادث. حدثني أحد المواطنين بأن الحصول على تأشيرة دخول إلى “لندن” أسهل من الحصول على رخصة قيادة، علماً أن الحصول على تأشيرة دخول للندن ليس من السهل.
عند وصولنا إلى “لندن” كانت درجة الحرارة تقريباً أربعة عشرة درجة، بينما كانت درجة الحرارة بالخرطوم تجاوزت الأربعين درجة، الجو كان عليلاً والأمطار تتساقط فجأة وحينما تخرج الشمس كأنه يوم فرح عندهم، ويوم فرح عندنا حينما تغطي السحب الشمس.. الإنسان مقدر ومقيم والإساءة إلى أي شخص يعني دخولك السجن بتعديك على حريته.. والمرأة والطفل خطوط حمراء ولذلك لا توجد إساءة من جانب الزوج إلى زوجته، ولا توجد الألفاظ المتعارف عليها عندنا في منطقة الشرق الأوسط، فلا تعدي على المرأة بالضرب أو الشتم ولا على الطفل ويمكن أن يرفع سماعة الهاتف ويتصل بالشرطة إذا ضربه الأب أو الأم، أما خارج المنزل النظر إلى المرأة كما هو موجود في منطقة الشرق الأوسط أكثر من مرة أو بطريقة تشبه الغزل، فمن حقها رفع دعوة تحرش ضدك وكذلك الطفل.
لا توجد سرقة لا غش ولا خداع ولا أكل أموال الأصحاب والأصدقاء، فمن أكل مال صديقه عندما يفرح بأنه خدع صديقه ولكن هناك لا يوجد مثل هذا النفاق.
في المواصلات العامة هناك أماكن لكبار السن ولأصحاب العاهات، فلا أحد يتعدى عليها. حدثتني زميلة كانت تعمل بالصحف السودانية الآن تعمل هناك، بأنها تمت صياغتها من جديد فحرارة السوداني وعدم الانضباط في الزمن وغيرها من العادات السيئة الموجودة عندنا تخلصت منها تماماً، قالت بأن الحكومة البريطانية تعالجها مجاناً وتوفر لها السكن المجاني وتوفر لها العمل وفي المجال الذي ترغب فيه. هناك كل شخص يقوم بواجبه تماماً ثماني ساعات لا يزيدها ولا ينقصها، هنا الكهرباء تقطع والموية تقطع والمهندسون طافشون، لا يعرف ماذا يعملون والثماني ساعات لا يعملون فيها غير ساعة إذا عملوا.
} همسة:
نشكر الزميلات “سلمى التجاني” و”هنادي عثمان” و”علي عبد الرحمن” على دعوات الطعام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية