حزمة خواطر
درجت في شهر رمضان المعظم من كل عام على زيادة المساحات التي أخصصها لسماع الإذاعة السودانية، أنا من عشاق الراديو، ولا أزال ضمن قلة تشتري هذا الجهاز السحري ولا تكتفي بمذياع الهاتف السيار أو المركبة أو إذاعة الأطباق الفضائية. راديو (عديل) أضعه تحت رأسي ومرات أسفل السرير وأحياناً يقاسمني المخدة، وأقول إن لبرامج الإذاعة السودانية و(هنا أم درمان) في هذا الشهر الفضيل مذاقاً، ربما يكتمل عند بعض المستمعين مذاق هذه الليالي الندية بالخير والسلام.
صدفة قبل يومين أوقعتني في برنامج أو سهرة رمضانية اسمها (حزمة خواطر) يقدمها الدكتور “إسماعيل الحاج موسى”، وتخرجها “سهير عثمان قوليب”، السهرة التي كانت مسامرة جميلة بين “موسى” و”الحلنقي” تركز جزء كبير منها على سيرة العميد “عمر الحاج موسى”، جوانب من شخصيته ومهاراته واجتماعياته ثم نماذج من خطبه. وللحقيقة فإنها المرة الأولى التي أستمع فيها إلى صوت هذا الرجل الفخيم العبارة. وقد صادف اسم العميد “عمر الحاج موسى” هوى في نفسي، إذ بدا لي الرجل من مظلومي التوثيق في هذه البلاد. وقد علمت أن وزارة الدفاع الوطني حينما كان الفريق أول “بكري حسن صالح” النائب الأول لرئيس الجمهورية الحالي وزيراً تعهدت بإنشاء مركز ثقافي باسم العميد “الحاج موسى”، والآن الأمر بين يدي الفريق أول مهندس “عبد الرحيم محمد حسين” لكن الأمر لم ينجز، وقد بدا لي هذا عجيباً لما أعرف من همة العسكريون في مثل هذه الأمور.
رجل ورمز من رموز السودان والقوات المسلحة وبإبداع “عمر الحاج موسى”، يجب أن يشاد باسمه مركز ثقافي كبير ومحترم، وهو يملك مكتبة جامعة مانعة وله سيرة في تاريخ القوات المسلحة السودانية وسهم وصيت. وقد قالوا إنه حينما كان قائداً على أحد المناطق فإنه يستقبل الضباط الجدد في بيته ثم دعوتهم للذهاب إلى المكتبة، وأن يختار كل ضابط كتاباً ما يلتزم بتلخيصه واستعراضه بعد فترة. كان الرجل مثقفاً كبيراً وعسكرياً أديباً. ومن كثرة ما سمعت عنه وقرأت فإني أتمنى أن تصدق الوعود ويبر عهد الوفاء إليه.
مثل “عمر الحاج موسى” عشرات وربما مئات النابهين الأدباء والعلماء الذين يحتاجون إلى تعهدهم بمركز أو مشروع ثقافي كبير، بلد فيه البروفسور “جعفر ميرغني” والبروفسور “الحبر يوسف نور الدائم” والإمام “الصادق المهدي” والشيخ “الترابي” وغيرهم، إنما هو بلد ومشروع للثقافة تمشي على قدمين. وبمناسبة الثقافة فإني لا أعرف ماذا تفعل هذه الوزارة المنسية، فمنذ التعديل الوزاري الأخير وإلى الآن لم نرَ منها تحركاً أو فعلاً، وبقيت اسماً فقط في منشورات الأخبار والتغطيات ومقعداً في مجلس الوزراء، ولكن على واقع الأرض والفعل فإنها لم تفعل شيئاً، إلى درجة أن اسم حتى وزيرها الحالي أو وزير دولتها لا يعرفه في الغالب الكثيرون !!