تقارير

الأحزاب ومحطة الحوار .. خطوات المغادرة ولكن إلى أين؟

كان المؤتمر الشعبي برفقة آخرين أشد الرافضين لأي شكل من أشكال التلاقي مع النظام، وحدث التبدل المعلوم في مواقفه فأضحى المتشبث الأشد بضرورة الحوار مع أعداء الأمس، ولكن بعد وصول عملية الحوار لما يصفها البعض بحالة الموت السريري، بدا الشعبي وكأنه يغرد وحيداً وسط أطلال الحوار، بالنظر إلى مواقف حزب الأمة القومي التي انقلبت رأساً على عقب بعد اعتقال زعيمه “الصادق المهدي” فاتخذ الحزب مكاناً قصياً بعيداً عن سوح الحوار، وهي ذات المواقف التي اتخذتها غالب القوى التي قبلت دعوة النظام للحوار.. فكيف يمكن فهم موقف المؤتمر الشعبي الذي لم تزعزع مواقف النظام الأخيرة وما وصفها البعض بردة الوطني عن التزاماته، قناعاته بضرورة المضي في طريق الحوار، وما هي خياراته وخيارات بقية قوى الحوار في حال انسدت كوة الحوار التي بدات تضيق منذرة بانفضاض سامر المتحاورين؟
المسؤولية تجاه الوطن
العبارة أعلاه هي ما يتعلق بأستارها المؤتمر الشعبي منبهاً الأحزاب السياسية كافة للتحلي بروح المسؤولية تجاه ما يحدق بالوطن من مخاطر، وهو ما أكد عليه نائب الأمين السياسي للشعبي “يوسف لبس” في تصريح لـ(المجهر) بقوله: (نحن نستشعر الخطر الداهم الذي يهدد كيان الدولة والوطن) ودعا السجين السابق الأطول بقاءً في سجون النظام الأحزاب لتجاوز المصالح الحزبية الضيقة وقال:(نحن أكثر الأحزاب تضرراً من إجراءات النظام القمعية خلال الفترة الماضية لكننا رغم ذلك ندعو الجميع لتجاوز المصالح الحزبية والشخصية الضيقة). وحذر “لبس” من تعرض الدولة للتفكك وانفصال بقية أجزائها على غرار انفصال الجنوب. ودافع الرجل عن موقف حزبه قائلاً: (حرصنا على الحوار يأتي من هذا الباب وخوفنا على الوطن هو ما يجعلنا نصر بشدة على الإستمرار في الحوار).
عدم التأثر بالتكتيك التفاوضي
بدا نائب الأمين السياسي للشعبي مائلاً تجاه تغليب حسن الظن في ما يصدر عن قادة النظام حتى وإن بدت هذه التصريحات مجافية لروح الحوار وأقرب للنكوص عنه، فبعد أن أكد “يوسف لبس” أن حزبه يرى أن انتظار الخطوات الحقيقية للحوار لديه حد وسقوف زمنية لا يمكن الانتظار بعدها، إلا أنه وتعليقاً على ما يطلقه قادة النظام مؤخراً من تصريحات وُصفت بالسالبة وآخرها تصريح مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس الحزب الحاكم بروفسور “إبراهيم غندور” الذي أغلق به الباب أمام أي تفكير بتشكيل حكومة قومية او انتقالية، رغم أنه أطلقه بحضرة زمرة من قادة القوى السياسية التي دعاها البرلمان لمناقشة تعديلات قانون الانتخابات، أكد لبس تعليقاً على هذا الموقف بعد أن وصف التصريح بأنه خصم على عملية الحوار، أكد أن الشعبي لا يبني مواقفه على التصريحات التي يطلقها قادة الحكومة والحزب الحاكم في الندوات أو عبر وسائل الإعلام وقال: (نحن لا نعتمد إلا ما يصدر خلال جلساتنا المباشرة معهم). ووصف غالب تصريحات قادة النظام بما فيها تصريح غندور الأخير بأنها (تكتيك تفاوضي). وقال: (كل جهة مفاوضة تعمل على رفع سقف التفاوض وبعدها تبدأ التنازل على الطاولة). وأوضح “لبس” أن الحالة الوحيدة التي ستجعلهم ينفضون يدهم عن الحوار هي الوصول لقناعة بانسداد أبواب الحوار من خلال الجلوس المباشر والتباحث على طاولة الحوار، إلا أنه عاد وانتقد تصريحات “غندور”، مؤكداً أنها تخلف تأثيراً نفسيا سالباً على المتحاورين باعتبارها استباق لنتائج الحوار وقال: (هذا التصريح يعني أن الوطني استبق نتائج الحوار واتخذ قراراً مسبقاً وهذا يؤثر سلباً على معنويات من أقدم على الحوار).
الارتماء في أحضان النظام
قد يختلف المراقبون للشأن العام والمهتمون برصد مواقف المؤتمر الشعبي مع رؤية نائب أمينه السياسي في تفسير تمسك الحزب بالحوار، فالمحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية د.”صلاح الدين الدومة” مضى بعيداً عن تبريرات “يوسف لبس”، طارحاً تحليلاً قال إنه مبنياً على معلومات وليس تخمينات، مفادها أن قرار الدخول في الحوار مع الحكومة اتخذه زعيم الحزب د.”حسن الترابي” بمعزل عن قيادة وعضوية الحزب. وقال لـ(المجهر): (القرار اتخذه “الترابي” منفرداً بناءً على وعود من الرئيس البشير). وحاول “الدومة” رسم واقع قاتم للأوضاع بالشعبي تجعله مضطراً للتعلق بأستار معبد الحوار. وقال: (الشعبي ضعيف على مستوى القيادة والأجهزة التنظيمية وفاقد للسند الجماهيري ويعاني ازمة مالية حادة وانشقاقات بجانب طرده من تحالف المعارضة وافتقاده لأية مقبولية إقليمية او دولية ” وخلص الدومة بعد هذه التقريرات التي جعلت الوضع بالشعبي كارثياً إلى نتيجة تتماشى مع هذا الحال وقال: ( لا يملك الشعبي إلا أن يرتمي في أحضان النظام).
“الأمة” و”الإصلاح الآن” مغادرة محطة الحوار
اعتقال “الصادق المهدي” كان قاصمة الظهر لعلاقة حزب الأمة القومي بالنظام التي كانت في أحسن حالاتها قبل الاعتقال، لذلك ليس مستغرباً أن تكون تفسيرات الحزب لمواقف وتصريحات قادة النظام ماضية نحو تأكيد موقف اليأس من بوارق أمل الحوار، فنائب رئيس حزب الأمة اللواء “فضل الله برمة ناصر” لم يتردد في تصريح لـ(المجهر) في وصف تصريحات “غندور” الرافضة لتشكيل حكومة قومية أو انتقالية بأنها “رجوع لمربع الهيمنة ونفي الآخر وقطع للطريق أمام الحوار مع القوى السياسية في الداخل ومع الحركات المسلحة بالخارج”، مشيراً إلى أن تصريح “غندور” جعل الصورة جلية وواضحة مفادها أن الحكومة غير راغبة في الحوار وأنها كانت تناور طيلة الفترة الماضية. واعتبر “ناصر” أن مواقف الوطني الأخيرة تمثل انتكاسة في ظل معاناة البلد وأهلها وتؤكد على عدم وعي أهل السلطة بما يعانيه الوطن. موقف متطابق هو ما وصلت إليه حركة الإصلاح الآن وهي من أوائل قوى الحوار التي نعت عملية الحوار باكراً، القيادي بالحركة د.أسامة توفيق جدد موقف الحركة خلال انتقاده لمواقف الحزب الحاكم وآخرها تصريحات مساعد الرئيس وقال لـ(المجهر): (هذا استباق لنتائج الحوار ويؤكد أن الوطني أطلق رصاصة الرحمة على الآلية المستركة للحوار لجنة (7+7) وبهذا فإنه يسوق الوطن نحو التمزق والاحتراب). وأضاف: (إن كانوا جادين فكان عليهم أن يتركوا الحوار ليقرر بشأن الحكومة الانتقالية أو غيرها وليحدد موعد الانتخابات) وأكد توفيق أن ماقف وتصريحات قادة الوطني مؤخراً تنبي عن إضمارهم قتل عملية الحوار قبل أن تبدأ.
دفاع عن موقف الشعبي
القيادي بالإصلاح الآن د.”أسامة توفيق” بدا متفهماً لمواقف المؤتمر الشعبي ومؤكداً أنه يسير في طريق القناعة بعدم جدية النظام في عملية الحوار. وقال: (الشعبي الآن موقفه تغير ومقاطعته لدعوة البرلمان لمناقشة قانون الانتخابات تؤكد أنه قد استبان له الخيط الأبيض من الأسود).
“الأمة” خيارات بين السلمية والعودة للسلاح
يظل التساؤل المشروع والمخيف في الوقت ذاته ما هي خيارات القوى التي اختارت الحوار في حال وصولها لطريق مسدود يستحيل معه الوصول لطاولة الحوار، حزب الأمة القومي صاحب تجربة عسكرية ممتدة لسنوات في مواجهة نظام الإنقاذ انتهت بعودة الحزب للداخل عبر بوابة اتفاقية “جيبوتي”، ورغم أنه الآن الحزب الأكثر مناداة بضرورة الحل السلمي، إلا أن كثير من المراقبين يشيرون إلى علاقاته الوطيدة مع الجبهة الثورية المسلحة، وراجت أنباء مؤخراً ـ سارع الحزب لنفيها ـ بأن “الصادق المهدي” خارج في رحلته الأخيرة التي بدأها (السبت) الماضي بدون رجعة وأنه في طريقه للتنسيق مع الجبهة الثورية، وهو خيار يستبعده كثير من المراقبين لما يكتنفه من مغامرة ومخاطرة تبدو بعيدة عن طريقة تفكير “المهدي”، لكن هذا لا ينفي اتجاه الأمة لليأس من الحلول السلمية فنائب المهدي اللواء “برمة” في معرض انتقاده لتصريحات “غندور” قال لـ(المجهر) (هذه التصريحات تقطع الطريق أمام الحوار مع الأحزاب والحركات المسلحة وتقفل الباب أمام أي حل سلمي لمشاكل الوطن). وقد لا يبدو بعيداً عن هذا الخيار ما صرح به “المهدي” مؤخراً عن ضغوط يواجهها نجله “عبد الرحمن” من الأسرة والحزب للخروج من القصر، وهو القائد العسكري صاحب الخبرات الكبيرة إبان قيادته جيش الأمة الذي حارب النظام خلال حقبة تسعينيات القرن الماضي، ولا يستبعد البعض أن تكون هذه الضغوط في اتجاه خيار العودة للعمل المسلح. ولكن يبدو الخيار الأقرب للأمة هو العودة لتحالف قوى المعارضة فقد بدأت بالفعل خطوات لرحلة العودة.
الشعبي والإصلاح ..اللجوء للجبهة اليمينية
الشعبي، والإصلاح الآن الذي يتزعمه القيادي الإسلامي د.”غازي صلاح” الدين من قوى الإسلام السياسي التي تعارض النظام، وتبدو خياراتها متقاربة في حال انفضاض سامر الحوار، ففي الشعبي أكد نائب أمينه السياسي “يوسف لبس” أنهم سيعودون لخيار إسقاط النظام عبر الطرق السلمية في حال غادروا محطة الحوار. إلا أن المحلل السياسي د.”الدومة” يرى أن الشعبي لا يملك مؤهلات العودة لهذا الخيار. وقال: (تحالف المعارضة لن يقبل عودته ولن يجد قبولاً من الرأي العام الداخلي). ويحصر “الدومة” الشعبي في خيار الارتماء في أحضان النظام قائلاً:(سيظل يتزلف الوطني بكل الوسائل رغم الذلة والمسكنة). أما الإصلاح الآن فلا يرى بديلاً للحوار سوى تشكيل تحالف عريض من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على غرار التجربة التونسية، وإن كان يرى مراقبون أن الخيار الأقرب للشعبي والإصلاح الآن تشكيل تحالف يميني يضم القوى الإسلامية المعارضة للنظام وحركات مطلبية من الأقاليم السودانية كافة، وهو أمر غير مستبعد إن نظرنا إلى مقف الشعبي عقب إخراجه من تحالف المعارضة وتصريح أمينه السياسي “كمال عمر” حينها بأن حزبه لتشكيل تحالف أعرض من قوى الإجماع الوطني، يضم عدداً من الأحزاب والحركات المطلبية الشبابية والجهوية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية