ولنا رأي

كذبت الصحافة إن ادعت كشفها للفساد!!

حاول البعض أن يستغل جو الحريات الممنوح الآن لتصفية الحسابات فيما بينهم، وحاولوا أن يستغلوا الصحافة والصحفيين في هذا الصراع الدائر الآن وكشف الفساد. وسبق أن تحدثنا في هذه الزاوية أن مسألة الفساد لن يستطيع أي صحفي سوداني الآن أن يدعي أنه قام بكشف الفساد، ما لم تكن هناك جهات لها مصلحة في كشفه. ولا توجد لأي صحفي علاقات قوية بمؤسسات الدولة، ولا أين توضع الملفات السرية ولا حتى في قضايا الأراضي، ما لم يتبرع طرف آخر بمد الصحف أو الصحيفة بالمعلومات الموثقة.
إذن العملية حرب بين أطراف متصارعة. إما أن ترى أن تلك الجهة نالت نصيباً من المال والعقار فيما لم تنله الجهة الأخرى، ومن هذا المنطلق حقدت على الطرف الآخر فحاولت أن تشين سمعة الآخر بتصدير المستندات الرسمية وإيصالها للصحف لضرب الجهة الأخرى. وتعتقد الصحف أنها كشفت فضائح بالدولة أبطالها مسؤولون ولكن الحقيقة تضارب المصالح أو اختلافها هو الذي أدى إلى هذا الكشف.. فنحن في الصحف يومياً ترد إلينا معلومات من طرف يدعي أن هناك فساداً في جهة ما وأبطاله فلان وفلان.. وهذه مستندات تؤكد وتعضد ما يقول. وبعد عملية النشر تأتي جهة أخرى حاملة معها العديد من المستندات التي تحاول من خلالها تبرئة ما نسب إليها من اتهامات، ونظل نحن في هذه الدوامة اتهامات متبادلة بين الأطراف المتصارعة ويروح فيها المسؤولون بالصحف، إما بفتح البلاغات وجرجرة في المحاكم يوماً بعد يوم وجلسة وراء جلسة وأخيراً إما أن تكون الصحف على حق فيما نشرته وفق ما لديها من مستندات وشهود، وإما أن تكون بينتها ضعيفة فيكسب الشاكي وتصدر المحكمة قرارها بإدانة الصحيفة.
إن الساحة السياسية الآن مليئة بالاتهامات بين الفئات المتصارعة من أجل السلطة، فلا يهمها هذا الوطن ولا مصلحته بقدر ما تهمها مصلحتها الشخصية. ومن هذا المنطلق تحاول بشتى الطرق أن تثبت أن الطرف الآخر هو المفسد وهو الذي استغل منصبه من أجل المصلحة الشخصية، وقد أثرى وعاس في الأرض فساداً فعين أهله ومحاسيبه وأهل زوجته وكل ما يمت إليه بصلة، ولكن هل إيجاد وظائف للعشيرة أو غيرها فيها استغلال نفوذ وفساد؟ فالسودان منذ أن عرف قائم على العلاقات الاجتماعية وعلى الواسطة، ولكن الواسطة عمرها ما وظفت شخصاً لا يستحق الوظيفة.. أو راسب وقدمته كأفضل شخص فالواسطة أحياناً تجد للشخص وظيفة وإذا فتح فيها المجال بصورة رسمية يمكن أن يستحقها أولا، ولكن في النهاية لا نقول إنها فساد بمعنى كلمة فساد. عموماً لا أحد ينكر أن هناك فساداً ولكن لا يمكن إثباته الآن بالمستندات الدامغة أو بالتحري الكامل عن الشخص منذ الميلاد، والحالة التي هو عليها خاصة إذا ظهرت بوادر النعمة عليه وفي وقت وجيز كان معدماً. ففي هذه الحالة يمكن أن يُتحرى معه لمعرفة أسباب النعمة ولكن لا ندعي أن الصحافة هي التي قامت بكشف هذا الفساد بمفردها، فلكل ما يجري الآن تصفية حسابات بين فئات متصارعة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية