ولنا رأي

ذكرياتنا في "القاهرة" (15)

نواصل الحديث عن ذكرياتنا بجمهورية مصر العربية، وهي محاولة لتوثيق فترة مهمة من حياتنا وحياة الطلبة السودانيين الذين أصبحوا الآن في مراكز رفيعة في الدولة، أما خارج أرض الوطن أطباء ومهندسين وزراعيين، بل أساتذة في الجامعات بالدول العربية المختلفة.. فالحياة في مصر كانت بسيطة والعلاقات الاجتماعية بين الطلبة ليس فيها حواجز أو حدود (محل ما تمسا تبيت). ولذلك ظلت العلاقات الاجتماعية قوية وليس هناك حرج أن تصل الإسكندرية في الواحدة صباحاً وتطرق الشقة وتدخل وتنام. وليس هناك حرج أن يأتي طلبة الزقازيق إلى القاهرة ويطرقون على شقة الزملاء في (روكس) أو في حدائق القبة أو بين السرايات، أو الدوقي أو أي مساكن، “عثمان” يفتح لك باب الشقة دون أن تكون هنالك حساسية لاستقبال الضيف القادم من المحافظات.
مصر لا تنام أبداً ليلها كنهارها والحركة فيها مستمرة صباح مساء، لا أدري متى ينوم الناس فيها. في السفارة السودانية كانت الأخت “عوضية الفاضل” من أسرة (الشيخ البدوي) بمنطقة العباسية بأم درمان، كانت تعمل موظفة بوزارة الداخلية السودانية، فتم انتدابها للعمل بسفارتنا بالقاهرة. لقد كانت سفارة بحالها لا تمل أو تكل في استقبال الضيوف من الطلبة بنين وبنات، بل امتدت علاقاتها حتى مع القادمين من الدول الأخرى وليس السودان. كانت والدتها رحمة الله عليها “سيدة حاج حمد” تقوم (بعواسة) الكسرة لإطعام الطلبة السودانيين، ولا تكل في إعداد الطعام لأي زائر وفي أي وقت من الأوقات. أما يوم (الجمعة) فهو يوم خاص يفد إليها طلبة من القاهرة وطلبة من الزقازيق، فكانت تقوم بدور أكبر من الدور الذي تقوم به المستشارية الثقافية التي يتولاها الأستاذ “عبد الجليل” أو الراحل الأستاذ “محمد سعيد معروف”، فخلقت الأستاذة “عوضية الفاضل” جسر تواصل بينها وبين أولئك الطلبة، أمثال “صلاح عثمان” (كبله) و”آمنة أمين نابري” و”عدلي خليل” و”آمنة مالك” و”عادل الكتم” وعدد كبير من الطلبة البنين والبنات، حتى على مستوى السفارة والقنصلية كان جسر التواصل ممتداً، مثل اللواء “يوسف” الملحق العسكري وغيره من المسؤولين. ولا أنسى أنها قامت بدور كبير عندما توفيت والدة الفنان “صلاح بن البادية” التي جاءت إلى العلاج وانتقلت إلى جوار ربها، ولم تكن السيدة “عوضية” الشامة الوحيدة في خد الشعب السوداني، فقد تعرفنا على الراحل “إبراهيم بشير” بحسابات القنصلية ولا ننسى أيام عيد الأضحى، عندما نذهب إليه وبمعيتنا الدكتور “عز الدين محمد علي” و”صلاح عبد العزيز”. فقد كان كريماً ليس مع الطلبة ولكن مع كل من جاء زائراً إلى جمهورية مصر العربية.. فنسأل الله له الرحمة والمغفرة، فقد غادر هذه الدنيا منذ فترة قليلة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية