الديوان

المذيع العملاق «عمر عثمان».. إلى جنات الـخلد بعد تاريخ حافل بالعطاء

توفي صباح أمس الهرم الإذاعي الكبير الأستاذ “عمر عثمان أحمد” بعد معاناة شديدة مع المرض وإصابته بغيبوبة نتيجة تعرضه لارتفاع في (ضغط الدم) وارتفاع (السكر)، ومكث الراحل بالجناح الخاص بمستشفى أم درمان قرابة الشهر إلى أن اسلم الروح إلى باريها، وقد شيعه زملاؤه المذيعين والإعلاميين في موكب مهيب إلى مقابر (أحمد شرفي).
الفقيد “عمر عثمان” يعدّ من الرعيل الأول المؤسس للعمل الإذاعي منذ الأربعينات، وظل يقدم العديد من البرامج بالإذاعة السودانية.. عرفه كل أهل السودان من خلال نبرته الخاصة، ودخل قلوبهم، وسكن وجدانهم، وهو من جيل الإذاعيين الذين أثروا مكتبة الإذاعة السودانية، وهو صاحب فكرة برامج المنوعات والمسابقات.. وقد بدأ حياته معلماً بمدرسة (دار الذكرى) بأم درمان ثم تحول للعمل صحافياً بصحيفة (السودان الجديد) ومنها إلى العمل الإذاعي ببرنامج (فرصة سعيدة) الذي استلهم اسمه من اللقاءات وطوافه في الأماكن العامة والمقاهي مثل مقهى (جورج مشرقي) وهو برنامج منوعات، وأيضاً (ساعة سمر) الذي أبرز أسماء فنانين مثل “صلاح بن البادية”، “محجوب كبوشية” و”حنان النيل”.. عمل الفقيد مديراً للعديد من الإذاعات مثل إذاعة وادي النيل (ركن السودان) وإذاعة (عطبرة) وإذاعة (جوبا) في ذلك الوقت الذي تزامن مع استشهاد ابنه (خالد) في (الميل أربعين) في العام1997م مما تسبب في إصابته بصدمة (السكري).
{ في سرادق العزاء
كانت (المجهر) هناك والحزن والوجوم يسيطر على الجميع فالتقت أبناءه وزملاءه من المذيعين، فتحدث إلينا ابنه الأكبر “صلاح عمر عثمان” قائلاً: (الحديث عن الوالد يطول، لكن في لحظات مرضه الأخيرة حاول أن يحافظ على الابتسامة رغم الألم.. لكن هي مشيئة الله.. ومن هنا أشكر الإذاعة الطبية وتلفزيون السودان وحدة (كمال حمد) بـ(برج الأمل)، وأخص بالشكر السيد/ وزير الثقافة ود. “وفاء” وكل العاملين بمستشفى أم درمان، ودكتور “أسامة”، والأستاذ “الفاتح السموأل”، “عمر الجزلي” وكل زملائه وزميلاته من مذيعين ومخرجين. أما ابنه “مجدي عمر عثمان” وبنبرة حزينة قال: (سأتحدث لكم عن علاقتنا به كأب، فهناك قيمة لا تنسى زرعها فينا أبي عند الاحتفال بـ(رأس السنة)، كان يأتينا بالحلويات والفواكه لكن وسط هذا الجو يقوم بإنشاد الأناشيد والأغاني الوطنية، لذلك ارتبط لدينا رأس السنة بعيد الاستقلال).
بينما قال لنا “محمد”: (الحديث عن عمر عثمان الأب والإنسان والمبدع حديث شاق، فكل ما زرعه من طيب أخذناه منه، وله الفضل في كثير مما وصلنا إليه، فهو أول من قام بفكرة مسرح البراميل، ومن هنا انطلقت فكرة المسرح القومي، لذلك كرمته وزارة الثقافة بشهادة تقديرية نتاجاً لتلك الفكرة)، فيما تحدث لنا ابنه الأوسط “أحمد عمر” فقال: (“إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” في فقيد الوطن والأسرة ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.. لذلك نشكر زملاءه وأصدقاءه بالإذاعة والتلفزيون وجميع الإعلاميين والأدباء والصحفيين، وكل الأهل والأسرة داخل وخارج السودان.. ونسأل الله أن يتقبله في أعلى عليين).
أما ابنه الأصغر “مهدي” فيبدو أنه شديد التعلق بوالده فقد قال لـ(المجهر): (أبوي أعطاني فرصة لاصطحابه في معظم المشاوير وفتح لي دنيا الإعلام والمذيعين من أصدقائه.. أبوي كان لما يقول ليك يا (أمير) معناها مبسوط منك، ولما يقول ليك يا (فانوس) معناها زعلان، وقد قال لي قبل فترة (أي قبل الغيبوبة) أنا كنت ح أموت قبل يومين فهو كان يشعر بذلك).
وداخل سرادق العزاء التقت ( المجهر) أيضاً بالإذاعية القديرة المذيعة “محاسن سيف الدين” التي وجدناها تبكي بحرقة على فراقه، فهي كما علمنا كانت من أقرب المقربين له، ورغم حديثها الذي كان يخرج بصعوبة إلا أنها استطاعت أن تمنحنا بجزء من ما تكنه له حينما قالت: (أنا الآن في أصعب وأمرّ لحظات الحزن ونحن نفتقد الأخ العزيز أخونا وأستاذنا ومعلمنا عمر عثمان أحمد “أنيس الحوش” الذي هذب وجداننا كزملاء في المهنة، بل وحتي وجدان المستمعين عبر برامجه المتعددة الجماهيرية والفئوية وجعلنا نقلده في همس الحديث، كنا نهمس كما يهمس عمر ولا نُعلي أصواتنا، عمر هو معشوق وعاشق “هنا أم درمان” الأول، كان بين كل قطرة وأخرى من دمه “عمر” للذين لا يعرفونه كتلة من الأدب والرقة والعطف والمعاملة الكريمة والتهذيب، فتعلمنا منه أنبل الصفات، وقد خرّج أجيالاً من الذين علمهم اللواء “الصادق محمد سالم” وبرحيله ترمل وتيتم (الحوش) الذي ترك فيه إشعاعاً لن يخبو، وهو من الذين قامت على أكتافهم شجرة هنا أم درمان، وتعلم منه كل فرد كيف يكون الأدب وكيف يكون الحديث أمام المستمع ومع بعضنا البعض، وهو منارة إذاعية سامقة نهل من معينه الكبار من المبدعين في الإذاعة، تعلم منه المدير الأسبق “محمد خوجلي صالحين” و”إبراهيم عوض” ومن خلال برامج (لحظة سعيدة) أكتشف “الكابلي”، “خليل إسماعيل” و”صلاح بن البادية”، وكان “محجوب كبوشية” الذي قدمه “عمر” لأول مرة فقال له أنا “محجوب شنبو” فسأله “عمر”: من ياتو منطقة؟ فرد قائلاً: من “كبوشية” فصار “محجوب كبوشية”، ومن إنجازاته أنه خرج بالمايكروفون خارج العاصمة وجاب الوديان).
{ الفاتح الصباغ ينعي الفقيد
وأخيراً تحدث إلينا المذيع المخضرم الأستاذ “الفاتح الصباغ” بصوت مخنوق يغالب دموعه وحزن عميق بادٍ على وجهه فقال إنه حقاً فقد كبير للأمة السودانية و”عمر عثمان” أستاذ للجميع ومذيع المذيعين، ويجبرك على احترامه فهو وجه دائم الابتسامة، وهذا على المستوى الخاص.. أما على المستوى العام فلا يحتاج منى إلى شهادة، فهو صوت يتفق عليه كل السودانيين، وله برامج لن تخرج من خاطر الأمة السودانية ومعلم لكبار الإعلاميين الذين تبوأوا أعلى المناصب، وكان موجهاً للجميع بكل تواضع.. نترحم على روحه وأتمنى أن يتقبله الله مع الصالحين بقدر ما قدم لهذا الوطن، (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية