أخبار

"الخضر"

كنت من الحاضرين للقاء الإعلامي الذي رتبه جهاز الأمن والمخابرات الوطني ووالي ولاية الخرطوم الدكتور “عبد الرحمن الخضر”، اللقاء تطرق بالطبع لقضية واحدة وهو ما يثار حالياً بشأن تجاوزات ارتكبها بعض العاملين في مكتب الوالي. والقصة معروفة بتطوراتها وتفاصيلها وإن زيدت بعض المرويات وأضاف إليها المشاءون في ظلم الأخبار ما تيسر من خيالات وإساءات.
لم يكن بالنسبة لي وهذا اعتراف يسوءني أن يجبن عنه بعض الصحافيين بالنسبة لم يكن قط “الخضر” محل شبهة أو ريبة فساد، وإن أخطأ عامل تحت فهذا لا يجوز منهج اغتيال الشخصية والتصفية المعنوية، ففي كل المؤسسات منحرفون و(ناس إيدها خفيفة) فهل يعني هذا إسباغ فرض التعميم على جر المسيء ليكون مثلاً لغير المذنب؟ الإجابة المنطقية والعادلة هي (لا) حتماً ولذا بدا لي وكأن القضية تحولت من قضية فساد أو استغلال نفوذ لتتحول إلى محرقة يشتط فيها البعض.
السلطات من الوالي وإلى جهاز الأمن وجهات فوقهما كانت في هذا الأمر قمة في الحزم، حينما اتفقت كلها على أن يصل الأمر حده ومنتهاه، وطالما أن الأمر قد تحول إلى مساره القانوني والعدلي، فالمطلوب الآن انتظار الفصل في المشكل. وإلى أن يحين ذلك فكل ما يمكن القول إن على الولاية والوالي سد الثغرات وإعمال منهج أكثر صرامة في الجرح والتعديل لموازين انتقاء الرجال، لأن العامل مع المسؤول يحمل شيئاً من رمزيته ودلالاته على الملأ.
كان “الخضر” عادلاً ومسؤولاً كبيراً وهو يقف محايداً وجهاز الأمن بالولاية الذي يقوده رجل محترم بحق ورصين وهو اللواء “محمد مختار”، يوالي تحرياته ولو أن الرجلين كانا من دائرة السوء لما عجزا عن إيجاد تكييف ومعالجة، ولكنهما كانا عند حسن الظن ودفعا بالمسألة إلى خواتيمها المعتادة. وهذه حقائق يجب ألا يتم إسقاطها تحت جحافل المنادين بالثأر والقصاص، فطالما أنَّ هناك قانوناً وعدالة فحتى (الحرامي) له حقوق تصان وترعى.
في مثل هذه الأمور لا يصح منهج التهييج، وإني والله لأحس بالإشفاق على بقية العاملين في أمانة ولاية الخرطوم، فالراجح أنهم أو أغلبهم قد تأذوا نفسياً ومعنوياً مما جرى. إذ أنهم بلا ذنب منهم ربما يكونون قد وقعوا تحت طائلة الاشتباه أو حتى الظن الشائن. وكل ذنبهم أن البعض يحرص على التجريم بالجملة حتى أو ضبط الجناة وسيقوا إلى العدالة. والعدالة سمو في حسن الظن إلى أن يقول القضاء كلمته. ولست أدري ما الموقف إن قالت المحكمة أن ما حدث ضعيف البيانات وأطلقت سراح المتهمين. والراجح عندي أن الأمر سيتحول إلى محاكمة للقضاء نفسه، وسيتهم بكثير وكأنما العدالة أوجدت إنما لتتكيف مع أهواء الجمهور.
والي ولاية الخرطوم عليه تجاوز هذه الكبوة العابرة وبين يديه كثير من التكاليف والمهام، والعالم لا ينتهي فقط عند محطة ما جرى، والذي فيه عظات وعبر وافرة للسلطات والحكومة والإعلام وعموم الجمهور.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية