ولنا رأي

أطباء مزيفون يمارسون المهنة.. وحقيقيون يتركونها!!

كليات الطب تعدّ في نظر كثير من الأسر الأفضل، ودائماً تتمنى كل أم وكل أب أن يلج ابنه أو ابنته كلية الطب. والطبيب في المجتمع له مكانة خاصة، وما زال الشعراء ينظمون الشعر في الأطباء، ونسمع المغنية تصدح دائماً بـ(الدكاترة ولادة الهنا).. وعلى الرغم من عظمة الطبيب، لم يجدوا حرجاً في اختيار بعض الأحذية وربطها بالدكتور كـ(دكتور شول).
أذكر أن أحد الأطباء الأمدرمانيين، كان من العائلات العريقة في أم درمان، ولا تخلو أية أسرة من أسرهم من طبيب، بل إن معظم أبنائه أطباء عدا واحد، وعندما كنا جلوساً مر هذا الابن بجانبنا، فأشار إليّ والده بأنه الابن الوحيد الذي خاب من بين أخوته، وكان هذا الابن بالصف الأول بكلية الهندسة جامعة الخرطوم.. ظننت عندما قال لي خاب أنه فشل أو فاشل، ولكن لم أكن أعلم أن هذا الأب يرغب في أن يكون كل أبنائه أطباء. ودراسة الطب لم تكن من الدراسات السهلة، بل فيها مشقة شديدة والدخول لكلية الطب أيضاً لم يكن سهلاً، فمن أراد الالتحاق بها لا بد أن يحصل على أكبر المجاميع، وفي فترة السبعينيات كان طلبة جامعة الخرطوم بعد انتهاء السنة الأولى العامة التي يأتي بعدها التوزيع لكليات الطب والبيطرة والأسنان والزراعة، كان البعض الذي يمني النفس بدراسة الطب ولم يجد فرصة بطب الخرطوم، كان يغادر إلى القاهرة للالتحاق بكليات الطب بعين شمس أو القاهرة أو الإسكندرية، ومعظم الأطباء الذين تخرجوا في الجامعات المصرية هم من الطلبة الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بكليات الطب بالخرطوم، وهذا يدل على أن دراسة الطب كانت تتطلب السفر إلى القاهرة أو رومانيا أو يوغسلافيا أو أية دولة أخرى يستطيع الطالب السوداني أن يشفي غليله أو يحقق رغبته.
لقد ظهر في الآونة الأخيرة أطباء مزيفون، وظلت الصحف تتناول أخبار الأطباء المزيفين بين الفينة والأخرى، في شندي وفي الخرطوم، وهؤلاء الأطباء يمارسون عملهم دون أن يقعوا في خطأ طبي كالذي نسمع به من الأطباء الحقيقيين، ولم نسمع بأحد من الأطباء المزيفين قد منح مريضاً دواء بالخطأ أسكنه (أحمد شرفي) أو (البكري)، ولم نسمع بالطبيب المزيف قد أجرى عملية جراحية ونسي المقص أو الشاش أو القطن داخل بطن المريض.. فالأطباء المزيفون من حقهم أن يسرحوا ويمرحوا ويقيموا عيادات خاصة بهم طالما الأطباء الحقيقيون قد هجروا مهنة الطب واتجهوا إلى السياسة أمثال دكتور “مصطفى عثمان”، ودكتور “مطرف صديق”، والدكتور “غازي صلاح الدين”، ودكتور “أحمد بلال”، ودكتور “حسين أبو صالح” وكثير من الأطباء الذين غادروا هذه المهنة واتجهوا إلى السياسة.. فهل سمعنا أن هناك سياسياً مزيفاً طالما السياسة لا تحتاج إلى شهادات؟ وهل طلب من السياسي إبراز أوراقه أو شهاداته الجامعية حتى يتمكن من الالتحاق بالسياسة؟ فشهادة السياسي المراوغة والكذب والدجل والنفاق والخداع والمكر والدهاء!! هل سمعتم بسياسي مزور؟ وهل ضبط أي سياسي داخل أروقة أي حزب وادعى أنه سياسي مزيف؟ لذا من حق هذه المهنة أن يدخلها مزيفون طالما الأطباء الحقيقيون الذين ظلت تفاخر بهم أمهاتهم منذ أن كانوا بسنة أولى طب قد تركوها في أول ملف للسياسة، ولا أعتقد أن الأطباء المزيفون هم حقاً مزيفون، إذ لا بد أن تكون لهم علاقة بالطب، فإما أن يكونوا قد فصلوا أو لم يكملوا دراسة الطب لسبب ما.. فإذا تأكد ذلك، فيجب أن يعادوا إلى دراستهم طالما رغبتهم مستمرة بدلاً عن الذين أكملوا ولم تكن لهم رغبة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية