أبواب مغلقة
مازلت قادراً على العمل.. بداخلي طاقة مدهشة.. أفكاري مرتبة وخلاقة.. قلبي ينبض بالحياة ، فلماذا يعلنون وفاتي؟!
وأردف عم (قسم الله) بأنه وإن بلغ السن المعاشي لكن هذا لا يعني تقاعده عن العمل وتسريحه إلى بيته.. وأضاف : أنا أحترم القوانين والنظم واللوائح ولكن عليهم إحترام رغبتي في مواصلة العمل طالما أنني أستطيع ذلك.
ويقول عم (قسم الله) إنه مستعد لأن يعمل في مجاله التعليمي والتربوي أو أي مجال آخر قريب منه.. لكنه لا يريد أن يتحول إلى مجرد (كرسي) مهمل في البيت أو في أحد المقاهي.
وشكوى (قسم الله) يعاني منها كثيرون غيره تمت إحالتهم للمعاش لبلوغهم سن التقاعد الإجباري.. في حين يأنسون في أنفسهم الكفاءة والقدرة على العطاء ومواصلة رسالتهم في الحياة..!
هذه الشكاوى تجعلنا نفكر في طريقة ما نعيد بها الابتسامة إلى وجوههم وليس بالضرورة أن نغير قوانين الخدمة المدنية، ولكن يمكن مراجعتها بحيث تسمح لمن يستطيعون مواصلة العمل تمديد أعمارهم المعاشية، طالما أن صحتهم البدنية والذهنية تمكنهم من ذلك، وطالما أن لديهم رغبة أخرى جادة وحقيقية في البقاء ضمن وظائفهم، أو حتى إحالتهم لوظائف أخرى مشابهة تحقق لهم ذواتهم وتستثمر أيضاً جهودهم وخبراتهم.
وبعيداً عن لوائح الخدمة المدنية لماذا لا تفكر الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في تدشين مشروعات خاصة بالشيب وكبار السن، على غرار مشروعات الشباب تستقطب المعاشيين والمحالين للصالح العام، حيث أن هذه الشريحة تعاني أوضاعاً معيشية صعبة وقاهرة، وبينها أعداد كبيرة مؤهلة بدنياً وعقلياً لأن تتولى مسؤولية مثل هذه المشروعات الفردية منها والجماعية، وبما يحقق فوائد عديدة لهم وللوطن على حد سواء.
مشروعات من هذا النوع ستخفف كثيراً من الأعباء المادية والنفسية التي يعيشها المعاشيون، الذين ظلت الدولة تعجز في كثير من الأحايين عن توفير إستحقاقاتهم الشهرية ومكافآتهم المتصلة بنهاية الخدمة.. والتي لا تكفي في محصلتها لاستمرارية حياتهم على نحوٍ كريم يحفظ ماء الوجه، ويوفر العيش المستقر والأمن لهم ولعائلاتهم..!
لماذا لا يقوم صندوق المعاشيين بهذا الدور وبطريقة أخرى مختلفة عن تلك التي يتبناها الآن، والقائمة على منح تمويلات صغيرة جداً لتصبح هناك مشروعات كبيرة قائمة على المؤسسية والتمويل الكافي الذي يضمن تشغيل أكبر عدد من المعاشيين، ويجعلهم يشعرون بأنهم مازالوا على قيد مؤسسات معتبرة شبيهة بوظائفهم في الخدمة المدنية العامة؟!
ولماذا لا تلجأ الدولة إلى المعاشيين لسد النقص في بعض الوظائف التخصصية، وتلك التي تحتاج إلى خبرات كافية بدلاً من إلغائها أو دمجها في وظائف أخرى، أو وضع أشخاص لا يملكون الخبرة وبالتالي الخروج بنتائج سالبة على مستوى المحصلة المهنية.
ولماذا لا يصر القطاع الخاص على الإعلان عن وظائفه ضمن سقف محدد للأعمار، غالباً لا تتجاوز الأربعين عاماً؟! ماهي الحكمة من هذا التخصيص طالما أن من هم فوق الأربعين بل والستين، يستطيعون أداء هذه الأعمال والقيام بهذه الوظائف بشكلٍ جيد؟!.. لماذا لا يمنحهم القطاع الخاص فرصتهم في العمل ؟!
ومن قال إنهم سيطلبون مرتبات أعلى من تلك التي يطلبها الشباب؟! إنهم يريدون فقط أن تتاح لهم فرصة هذا العمل في القطاع الخاص، وأن لا يكون شرط العمر سبباً في إقصائهم وإبعادهم.
إن أقسى قرار يصدر في حق الإنسان هو إحالته للتقاعد، وأتعس أيام هي تلك التي يعيشها وحيداً ومعزولاً.. وأنه لمن الظلم بمكان أن نحكم على المتقاعدين بالموت قبل آجالهم. فطالما فيهم دفق الحياة وحيوية العطاء جدير بنا أن نفتح لهم أبواب العمل، لا أن نغلقها أو نضع الأشواك في طريق سعيهم للتحصل على عمل، لا نشك إطلاقاً أنهم وحدهم وبصبرهم وخبرتهم وحكمتهم يستطيعون أدائه على أكمل وجه.!