الديوان

الـ(واتس اب).. شيطان الهواجس الأسرية يكمن في تفاصيل المحتوى !!

إلى وقتٍ قريب كانت عادة قراءة الصحف في المواصلات تسترعي انتباه الجميع مما يجعل البعض يشد عنقه فضولاً حتى يتسنى له قراءة الخطوط الرئيسية من جاره، لكن فجأة وعلى جناح السرعة إختفت الصحيفة من أيادي الجميع لنجد كل من بالمركبة يفتحون صفحات أجهزتهم الجوالة كالكتب يدردشون وآثار النعاس بادية على الوجوه من أثر السهر في الدردشة على تطبيق (الواتس آب) الذي تطغى عليه كمية من الرسائل تأتي على ظهر كل كسر من الثانية من تحايا ليل ونهار وتتحول المواضيع إلى تفاصيل ذلك اليوم الإفتراضي بعيداً عن الواقع وكثرة المشغوليات التي لا تتعدى دنيا (الواتس آب) الذي استعبد الكل وهم لا يشعرون.
كل هذه (العبودية التقنية) تعامل معها المجتمع بدعاوى التطور وتقنيات العصر وما إلى ذلك من مبررات، ربما فرضت متطلبات الحياة وإيقاعها السريع أن تكون القراءة في شكل كبسولات صغيرة، لكن لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قفز فجأة وصرخ ليتحسس مواطن المسكوت عنه ونشره على الملأ في مشاهد وصور قبيحة تشيب لها رؤوس الولدان وتغض مضاجع الأسر.
المشاهد والصور الإباحية
تسلل مشهد مخل في فيديو عبر (الواتس آب) لبعض الشباب مع فتاة أجنبية، إضافة إلى صورة شاب وهو في حالة زينة نسائية كاملة، الشيء الذي خلق بلبلة في المجتمع وأثار حفيظته نسبة لغرابة المشهدين واللذين أوضحا مدى قصور النشأة الأسرية لدى البعض، فمن تقنيات (الواتس آب) أنت ومن حيث لا تدري وعلى جناح السرعة تأتيك صورة أو مقطع فيديو ربما أنت باحثه أو من خلال (قروب) أنت أحد أعضائه. لذلك ارتفعت إشارات الدهشة على وجوه أولياء الأمور من تلك المشاهد التي رآها أطفالهم وهي لا تكافئ مراحلهم العمرية وبالتالي تشغل أذهانهم الغضة، والمؤسف أن هذه الهواتف أصبحت في متناول أيديهم، وفي هذا السياق التقت (المجهر) بالأستاذ “عمر حاج علي” وسألته عن هذه الظواهر، رد قائلاً: والله بصراحة أنا ما قايل ممكن الموبايل ده يكون فيه حاجة زي دي، المشكلة أمنعهم أكيد حايشوفوه في مكان تاني.
أما “هويدا إسماعيل” – موظفة – بدأت حديثها قائلة: بعد كل فترة بفتش موبايل الولد بدون ما يشعر.. طالما بقت في حاجات زي دي ممكن يشوفوها.. لكن بصراحة انا نفسي بقيت أتونس وأدردش مع صاحباتي في خصوصياتنا.
وابتدر الطالب “حسن عبد العزيز” حديثه بأن الواحد العاوز يستفيد من (الواتس آب) أو أي تطبيق ممكن يستفيد منه بالطريقة الجيدة.. لكن المسألة بترجع للنشأة.
وذكر “مصطفى الشيخ” – تاجر- بأن الحاجات دي قامت بتصميمها الدول الغربية خصيصاً عشان تشغلنا وبالتالي تحد من حركة الإنتاج.
أما “ولاء آدم” طالبة قالت: نحن في البيت بقينا مشغولين كلنا، مافي زول بتكلم مع التاني إلا بـ(الواتس آب) وبنشوف أي حاجة غير الونسة وبصراحة منعني أقوم بواجباتي مثل النظافة وترتيب الدولاب.
أما “حسن محمدين” – موظف – فقال: بصراحة أولياء الأمور ما فاضين من كسب العيش، فائدة الأكل والشراب شنو إذا إنت ما شبعت أولادك بالقيم التي تقيهم مصائب الزمن؟.
تجارب ناجحة (العائلة الكريمة)
وفي هذا السياق التقت (المجهر) بالأستاذ “محمد القاسم” مدير (قروب) (العائلة الكريمة) من (جزيرة توتي) والذي قال: نبعت الفكرة من حاجة الجميع لمواصلة الأرحام مع ضيق الوقت، فاستفدنا من تقنية الهواتف الذكية لا سيما وأنها في متناول يد الجميع: واستهدفت الأعمار من (13-18) سنة حتى ندعم تواصل الأجيال بملء أوقاتهم بأشياء مفيدة وحفظهم من الوقوع في مهالك التكنولوجيا، فعلى سبيل المثال نقوم كل فترة بوضع صورة لأحد الأجداد ونطرح أسئلة عن صلة القرابة، إضافة إلى النقاش في مواضيع اجتماعية حيوية واجهتنا مشكلة بسيطة هي الونسات الجانبية، المهم أن المجموعة قاربت الستة أشهر أسفرت عن تنظيم لرحلات وتجمعات عائلية ناجحة جداً.
(راكوبة حبوبة)
وأيضاً التقينا بـ”يثرب صديق الأمين” – خريجة – فقالت: نحن أتربينا في (البيت الكبير) وكنا نجتمع يومياً في (راكوبة حبوبة)، لكن تفرقت بنا سبل الحياة من سفر وزاوج وخلافه، لكن التأم الشمل مرة أخرى لمناقشة العديد من القضايا الاجتماعية وبنفس النكهة الزمان.
وأيضاً أفادتنا الباحثة الاجتماعية “إخلاص محمد الحسن مجدي” قائلة: إن أدوات التواصل التي اجتاحت العالم دون كابح يعجز المرء عن وضع أية ضوابط لها لكنها ليست سوى أوعية لموضوعات بغض النظر عن فحواها. و(الواتس آب) لا يعرف (العيب) بينما مستخدموه يعرفون، لذا لا يجب مهاجمته لأنه أداة معرفية مسخرة لخدمة المجتمع، إذاً يجب علينا الإقرار بأن القضية هي تربية في المقام الأول ومجتمع آل حاله إلى ما طفح على صفحات (الواتس آب) من انحدار وخواء بعيداً عن القيم الأخلاقية الايجابية، وعلى الآباء والأمهات تجسير الفجوة بينهم والأجيال الأخرى، وذلك بتمديد ساعات التواصل معهم التي صارت معدومة بسبب المشاغل والركض خلف متطلبات الحياة اليومية، ولابد من استيعاب المتغيرات الجديدة في حياة الشباب وتفهم حاجاتهم لما لها من دور كبير في دفعهم لاتجاهات مفيدة لهم ولأسرهم فالمسؤولية جماعية، كذلك علينا الإقرار بأن شباب اليوم أكثر وعياً بواقعهم ويكنون لكبارهم كل الاحترام، وما حدث من تفلتات فضحها (الواتس آب) ليست سوى بثور طارئة على وجه المجتمع يستهجنها الجميع بما فيهم الشباب.
وفي هذا السياق التقت (المجهر) بالدكتور “الصافي جعفر” الأمين العام لـ(مجلس الذكر والذاكرين) رد قائلاً: أرى أن غالبية من يتداولون هذه المقاطع هم مراهقون أو مرضى نفسيون وربما يكونوا فاقد تربوي ويأتي كل هذا نتاجاً للكبت فتصبح هذه الصور والمقاطع عبارة عن متنفس، وحتى جرائم اغتصاب الأطفال هي نتاج لكبت من مشاهدة مثل هذه المقاطع. وأنصح كل من وقعت في متناوله مثل هذه المقاطع بأن يمسحها ولا يتحدث في هذا الموضوع مطلقاً لانه بهذه الطريقة يساهم في نشره وازدياد أهميته، إضافة إلى أنه من الصعوبة بمكان تضييق الخناق من قبل الأسر لأنه قد يأتي بنتائج عكسية، إضافة إلى أن الشباب يشاهدونها بعيداً عن الأعين، فالأمر يحتاج لزرع مزيد من القيم المتينة حتى نستطيع مواجهة هذه الظواهر المجتمعية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية