التصوير عبر الكلمة وتكامل الأصوات
} أثناء فترة عملي بتفاحة الصحافة السودانية « الحياة والناس « عندما كانت تترأس دفة تحريرها الأستاذة والأخت الفاضلة «منى أبو العزائم»، الزمن وقف شوية وأهدى لنا لحظات هنية التقينا عبرها بالشاعر القدير (سليم الذوق) «إبراهيم الرشيد» في مؤانسة سودانية تخللتها حكاوى وغناوي وقصص عن أم درمان زمان والسودان القديم.. وفرسان الكلمة في حقبة الحقيبة العجيبة.. وأذكر وقتها سألت الأستاذ «إبراهيم الرشيد» عن صفات الشاعر الحقيقي ومواصفات الشعر الأصيل فقال لي :
(الصدق أوالصدقية) هي القاسم المشترك ما بين الشاعر الحقيقي والشعر الأصيل.
ثم شبه الشاعر الحقيقي بالمصور الفوتوغرافي المحترف الذي دائماً ما يجتهد في نقل تفاصيل الأشياء، بألوانها الطبيعية عبر صور ناطقة وصادقة
وأشار إلى أن المقاطع الشعرية تشبة الصورة تماماً حيث أنها تنقل وتنطق بما فيها من إحاسيس ومشاعر جمالية، ولذلك نجد الشاعر الحقيقي دائماً ما يبدع في نقل الصور الشعرية التي تعتمل بداخله ليخرجها للناس بكل صدقها. وأضاف الشاعر المتمكن قبل أن يبدأ في عملية التصوير والتقاط المشاهد بعدسة الشعر الصادق، لابد أن يستعد لذلك ويأخذ الزوايا المناسبة والأبعاد السليمة، ثم يبدأ بعد ذلك في التقاط الصورة الشعرية المعبرة ومن ثم يعكسها للناس عبر مفردات منتقاة .
} بعد هذا الحديث (الرشيد) لشاعرنا الجميل «إبراهيم الرشيد» أصبحت ومنذ ذلك الوقت استمع للشعر بشكل جديد ومختلف، حيث أني بدأت أتعمق في المشاهدة عبر السمع حتى استمتع بالصور الشعرية الصادقة والناطقة بالجمال.
} شعراء هذا الزمان الأغبر الذين اغتالوا الشعر الغنائي بمسدس الهبوط وقنابل السقوط، يا ليتهم يتعلمون من حديث صاحب الشعر «الرشيد» عن مواصفات الشعر وصفات الشاعر، لكي يستفيدوا من طريقته في التصوير عبر الكلمات.
} تجربة «البلابل» الغنائية (ثلاثية الأبعاد) تظل حالة إبداعية نادرة وفريدة ومن الصعب تكرارها، ويظهر ذلك في تكامل وترابط وتمازج موسيقى أصواتهن التي شكلت ذلك الشجن الذي يسري في الوجدان، ويحرك الدواخل ويسمو بالروح في عوالم الطرب والشدو الأصيل، عبر أعمال غنائية محتشدة بكل عناصر الجمال.
} ما يميز بنات «طلسم» ويؤكد تفرد تجربتهن صمودهن كل تلك السنوات، وإصرارهن للحفاظ على ذلك الألق الإبداعي الصوتي رغم تفرقهن في البلاد وابتعادهن عن بعضهن البعض.
} حتى الآن لم يستطع كل الخبراء في مجال الموسيقى والغناء أن يؤكدوا لنا، أين يكمن سر الإبداع عند «ثلاثي النغم» «هادية وحياة وآمال».
} فهل يكمن السر في خامة أصواتهن المتقاربة والمتجانسة أم في إحساس الأداء التطريبي المشترك، أم في تكوين النسيج الإبداعي عند كل واحدة منهن والذي يمثل امتداداً لجذور أسرة فنية ظلت تتوارث الإبداع جيلاً بعد جيل.