الهجرة النبوية .. العظات والعبر!
يحتفل العالم الإسلامي في كل عام كما اليوم بالعام الهجري، وهو هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، بعد أن عانى من أهل مكة وكفارها. ولكن رسالة الأنبياء دائماً محفوفة بالمخاطر، وما من نبي إلا أن واجه من قومه المشقة، فكل الأنبياء لم يجدوا الطريق ممهداً لدعوتهم، ولو أراد الله لهم لجعلها ممهدة ولكن فيها ابتلاء وامتحان واختبار. فنبينا “محمد” صلى الله عليه وسلم دعا قومه باللين والحسنى، ولكنَّ كفار مكة وأشداءها لم يتركوه ولم يتركوا الذين آمنوا بالرسالة الربانية، ولذلك عندما اشتد جبروت مكة على نبينا أمره الله بالهجرة إلى المدينة، فكلنا يعلم كيف كانت تلك الهجرة والتي كان أول فدائي في الإسلام سيدنا “علي ابن أبي طالب” الذي نام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ليخدع الكفا، أن النائم في فراشه حتى الصباح هو النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن النيام كانوا أبناء أولئك الكفار الذين خرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ووضع على رءوسهم ذرات من التراب ولم يكتشفوها إلا عندما أخبرهم من ظن أن أولئك الفتيان سيقضون على النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما وجد التراب على رءوسهم أخبرهم بأن “محمداً” صلى الله عليه وسلم، قد خرج ولم يشعروا به فوضع على رءوسهم التراب وعندما دخلوا عليه اكتشفوا أن النائم في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سيدنا “علي”. وهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى حافظ لنبينا وهيأ له تلك الهجرة التي رافقه فيها “أبو بكر الصديق” الصاحب الوفي لنبينا “محمد” صلى الله عليه وسلم، وأول المصدقين بدعوته ولذلك كان دائماً الساعد الأيمن له فعندما احتما بغار ثور كان المطمئن له وكان يقول لرسول البشرية لا تحزن إن الله معنا.. وأمر المولى عز وجل أن تأتي الحمامة لتبيض في وجه الغار ويأتي العنكبوت لينسج خيطه بطريقة خدعت أولئك الكافرين الذين كانوا يبحثون عنه للقضاء عليه، ولكن الله أعماهم ولم يعط أحدهم بصيرة للنظر في ذلك الغار، وحتى عندما خرجا وبصر “سُراقة” بهم قاص حافر حصانه في الصخر وكأنه يغوص في طين، مما أذهله وأخافه وهذه أيضاً واحدة من علامات التدبير الإلهي لهذه الهجرة ولنجاحها.
إن الهجرة النبوية فيها كثير من العظات والعبر، ولكن الأمة الإسلامية تجترها سنوياً فقط ولا تعمل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فكل الأعمال التي قدمها نبينا لهذه البشرية ليتعظوا ويعملوا بها تذروها الرياح، فالأمة الإسلامية كثر فسادها وغشها وخداعها ولم تسترجع ماضي هذه الأمة عندما كانت الأولى في كل شيء.لقد بسط نبينا السيطرة التامة بختمه لكل الرسالات، ودانت له السيطرة وكان للإسلام والمسلمين مكانة رفيعة وسطر تلك الأمم فكانوا الأعلى في كل شيء، وفتح الصحابة الذين تولوا زمام الأمر الإسلامي البلاد الشاسعة وسيطروا عليها وأصبحوا الأعلين، ولكن من جاء من بعدهم ظلوا في صراعات وخصومات فأضاعوا الإٍسلام بأعمالهم، ومن ثم بدأت الدولة الإسلامية تضمحل ويخبو بريقها ولمعانها وتراجع المسلمون بعد أن كانوا في علين. والسبب أنهم لم يتمسكوا بما جاء به الإسلام والمسلمون الأوائل، فالآن المسلمون في تراجع رغم كثرتهم، فالغش والنفاق والخداع لم تكن من شيم الأولين، ولكنها كثرت كما كثرت أفعال حرمها الإسلام. ولم تكن لدى الأوائل ممن جاءوا لنا بهذا الدين وضحوا من أجله تلك الأفعال والخصال التي يمغتها الأولون.. فلا بد أن نتعظ بمباديء تلك الهجرة بدلاً من اجترارها مثلها ومثل المناسبات الأخرى التي نحتفل بها. فلابد أن تعود للإسلام والمسلمين مكانتهم بين الأمم، أقوياء أشداء متصدري العالم في كل شيء كما كانوا من قبل.