أحلام "حميد"
} طبيعي أن تردد الكلمات وتمارس التمرد بكافة أنواعه عندما تحاول الأفكار رسم لوحة تقريبية لواحد من عمالقة الزمن الجميل والحديث، لأن الحضور الذاتي والمكون الفطري والمكنون الإبداعي يحتاج إلى رسام في عالم الكتابة وعالم في دنيا التعبير والبلاغة والنحو الصحيح، لذلك فإن العبارات قد غابت تماماً رافضة لهذه الفكرة التي أحاول عبثاً أن أتناولها من زوايا مختلفة.
} رحل الشاعر العظيم “محمد الحسن سالم حميد” عن دنيانا تاركاً دموعاً من دم ووجعاً شق القلوب والحناجر، لأن الراحل لم يكن إنساناً عادياً مر عبر التاريخ السوداني كحال الكثيرين من أبناء الوطن الغالي، إذ أن المعاني والعبر والقيم الإنسانية التي كان ينادي بها من خلال كتاباته، جسدت المعنى الحقيقي للوطن وللمواطن وللبسطاء من شعب السودان، الذين عاشوا اليتم بكافة أشكاله إبان الرحيل المر، لأن المرحوم ظل على الدوام سنداً وعضداً لهموم الترابلة والفقراء واليتامى والمعاقين والعاجزين والحالمين بوطن حدادي مدادي يسع الجميع.
} دخلت في حوارات مختلفة مع مجموعة من محبي الراحل المقيم حول الهوية والانتماء الذي كان يلامس “حميد” سياسياً من خلال كلماته المدوزنة بحب الوطن والسلام والحرية، فكان الجدل البيزنطي يدور حول شيوعيته وإسلاميته وأنصاريته، رغم يقيننا جميعاً أن الشاعر من أسرة ختمية، بل متشبعة بالأفكار والمبائ التي لمحناها من خلال التصوف في قصائده، ولكنه أراد أن تكون له شخصية مختلفة غير متحزبة تنادي بتمجيد الأرض والنخلة ومهمومة بالبيئة، وساعية لعرض نماذجها البسيطة لتربط الشخوص بالمنشأة والبدايات بعروض مسرحية شعرية. ويا للروعة ونحن نقرأ السطور معا عن “حمدتو”الحداد و”عشوشة” الشماسية و”عم عبد الرحيم” و”السرة بنت عوض الكريم” السيدة البالغة من العمر ستين ويزيد والباحثة عن السترة والعيش الحلال.
} والحديث عن “حميد” الإنسان يمشي بين الناس، لأن بصماته ما زالت تتحرك نبلاً وقيماً وأخلاقاً، لذلك كنت أتوقع أن يكون الوفاء لهذا الرجل النخلة بذات العطاء الذي أثرى به الساحة سياسياً وفنياً، بدلا من التقاطعات التي بتنا نتابعها عبر الحراك الذي صنع إشكالات لا معنى لها، فما بين اللجنة العليا لتأبين “حميد” التي قادها الشاعر “محمد طه القدال” و”السر عثمان الطيب”، خرج إلينا شباب من تلك المناطق تحت مسمى (حلم حميد) باعتبار أن الفكرة الأولى إقصائية تضم الشعراء ورافضة لاستيعاب محبي الشاعر الذي كان وطناً يضم الجميع.
} وهناك مجموعات وروابط أخرى تنادي بمسميات مختلفة تحمل ذات الهموم والتحرك في ذات الاتجاه الذي يسعى لأن يكون لحميد منظمات خيرية تواصل ما بدأه الرجل على سطح الواقع الإنساني، في خطوة تؤكد أن الكل بات مهموماً بتمجيد “حميد” الإنسان، ولكنني حزينة جداً للاتهامات والهمس الذي دار بين البعض مشككاً في دعومات تم استلامها باسم الرجل القامة.
} وبالأمس قادت مجموعة قروب (إعلام للجميع) مبادرة إنسانية أخرى تحمل ذات الهموم المتعلقة بتحقيق حلم “حميد” في الوطن والعمل الخيري عن طريق منظمة “حميد” التي يقودها الأستاذ القدال، وأحسب أن الفكرة مختلفة باعتبار أن القائمين على الأمر إعلاميون كبار يعلمون كيفية امتصاص الغضب، ويساهمون في نشر الوعي الكافي القادر على تصحيح المسار، لذلك أحسب أن نقطة الانطلاقة تبدأ من هذا الحراك المدروس لنحاول من خلاله لم الشمل والتفكير الجاد في وضع آلية ايجابية تمهد لإنزال كل الأحلام إلى أرض الواقع، لنرى “حميد” مقيماً بيننا في المدارس والآبار والمنظمات الخيرية والقرى النموذجية وغيرها، فقط ينبغي أن يتسامى الكل عن الجراحات التي علمت أنها لامست أسرة المرحوم واستطاعت أن تشق الصفوف وتمارس التفكك الأرعن الذي كان واحداً من هموم “حميد” في البناء المجتمعي السليم.
} لم أجد أبلغ مما كتب “حميد” ليكون ختاماً يساهم في لم الشمل الايجابي الذي تنطلق منه المشاريع العظيمة لهذا الرجل العظيم، حينما قال (كل زول من حقو يحلم، حلمي يا راحة ضميري).