ولنا رأي

المواطن صبر على الأمرَّ من ذلك!

عندما جاءت الإنقاذ في عام 1989م، طرحت العديد من الشعارات الدالة على الاعتماد على النفس، وأصبحت تلك الشعارات التي أخذت زخماً كبيراً في وسائل الإعلام، مثل (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع)، في إشارة إلى أن الدولة بإمكانها أن تعتمد على نفسها في ظل الحصار المفروض عليها من قبل الغرب وأمريكا، لأن الطرح الذي جاءت به الإنقاذ في بدايتها كان طرحاً إسلامياً حاول أن يستوعب كل الشعوب المغضوب عليها.. ولكن الإنقاذ لم تدرك أن ذلك كان سيكون خصماً عليها، ولم تكن الشعارات المطروحة بغرض الاستهلال، فقد عمل الناس على أن تتحول إلى واقع. فبعد معاناة الناس في الحصول على (وقية) سكر دارت عجلات مصانع السكر المتعطلة، وبدأ المزارعون في زيادة الإنتاج من القمح (قمحنا بكفينا) في إشارة لإغاظة أمريكا.
ولكن هذا الشعب الذي صبر على الإنقاذ في بداياتها، شرب الشاي بالبلح والحلاوة وابتكر وسائل أخرى ليتذوق طعم السكر فيما يشرب، اليوم يواجه بمصاعب جديدة بعد أن عاش فترة من الرخاء بعد إنتاج وتصدير البترول.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد رئيس الجمهورية مع الأجهزة الإعلامية بقاعة الصداقة مساء أمس الأول، ربما لا يختلف الناس حول ما طرحه من معالجات لقضية الاقتصاد السوداني وكيفية إنعاشه، من خلال البرنامج الاقتصادي الذي جلس له عدد من خبراء الاقتصاد بالبلاد.
إن رفع الدعم الذي سيتم تطبيقه اليوم، وإن كانت جراحاته مؤلمة وقاسية على الشعب السوداني، ولكن كان بالإمكان أن يتقبله الشعب إذا جاءت الصراحة والوضوح من الجهات المسؤولة بالدولة، فالتنوير الذي قدمه وزير المالية ومحافظ بنك السودان لعدة جهات، كان الأولى أن يشرك هذا الشعب إشراكاً مباشراً في هذا الهم، بدلاً من الذهاب للسيد “الصادق المهدي” أو “الترابي” أو “الميرغني”، لأن الشعب السوداني هو المكتوي بنيران تلك الزيادات، فإذا ارتفع جالون البنزين أو الغاز أو الجازولين، فالمتأثر الأول هذا الشعب وليس رؤساء الأحزاب أو اتحاد المرأة.. فكان لا بد أن تنظم ندوات مباشرة وحوارات من خلال أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية، فالحوار المباشر مع الشعب ربما يزيل الغموض إن كان هناك غموض.. فالسيد الرئيس شرح قضية الاقتصاد السوداني ومعالجته بطريقة يمكن أن تقنع أي شخص يتشكك في تلك المعالجة، ولكن قبل أن ينتهي المؤتمر الصحفي للسيد الرئيس، قدمت وزارة المالية الزيادات إلى محطات الخدمة البترولية، بمعنى أن وزارة الطاقة استبقت صدور القرار بعد التنوير الذي سيقدمه وزير المالية لمجلس الوزراء ومن ثم يصدر القرار بصورة رسمية.
المواطن دائماً يثق في الحكومة وهذه هي الإشكالية التي تخلق التوتر بين الشعب والحكومة، ولكن الحكومة بإمكانها أخذ عيون المواطن إذا صدقت معه، فالشعب السوداني من أبسط شعوب العالم لا تشغله الحكومة ولا الوزراء ولا الوكلاء ولا غيرهم من السياسيين الآخرين، فالهم الوحيد الذي يشغله كيف يجد لقمة حلالاً لا (هوت دوق)، ولا غيرها من المأكولات التي ظهرت حديثاً، وتشغله الرياضة والفن، ولذلك كان بإمكان الحكومة إشراك المواطن في مثل هذه الهموم.. لأنه صبر على الأصعب منها، طالما هذه القرارات بإمكانها أن تحقق له الأمن والاستقرار والرفاهية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية