كيف نشأت الحركة الإسلامية بالمهدية؟ (6)
اعتبر البعض أن الحركة الإسلامية قد انطلقت من الحارة التاسعة بمدينة الثورة، ولكن التاريخ يقول إن الحارة التاسعة كانت بها عدة قيادات من الحركة الإسلامية الظاهرة والخفية، ووقتها الحارة التاسعة إبان فترة السبعينيات لم تكن على المستوى الذي هي عليه الآن.. فالحارة التاسعة كان عدد كبير من أراضيها مملوكاً لـ”نصر عبد الرحمن” أو كما يطلق عليه الصول “نصر”، بالإضافة إلى عدد مقدر من الأراضي كان مملوكاً للراحل المقيم مولانا “حامد عمر الإمام”. وقد باع عدد كبير من أراضيه إلى إخوان مازالوا موجودين بالحارة، ولكن بعض قيادات الإخوان المسلمين قضوا فترة من الزمن بالحارة.. منهم الراحل “أحمد عثمان مكي” والباشمهندس “السعيد عثمان محجوب” والدكتور “محمد أحمد الشامي” والدكتور “أحمد خالد بابكر” والأستاذ “محمد خالد بابكر” وغيرهم بالإضافة إلى أن الحارة التاسعة كان يقطنها عدد من الكوارتة ومازالوا.
إن انطلاقة الحركة الإسلامية قد بدأت بالفعل من مدينة المهدية الحارة الثانية، وقد ذكرنا من قبل أن مولانا الشيخ “الأمين حاج الطيب حاج طه” كان من القيادات التي رعت أبناء الحركة الإسلامية وقتها وهم في بداية مراحلهم الدراسية المتوسطة والثانوية، ولم تكن السياسة آنذاك الهدف الأول بينما كان الإعداد الديني والأخلاقي هو المهم.
وفي سردنا السابق نسينا بعض الأسماء والذين كان انتماؤهم للحركة الإسلامية تعاطفياً قبل أن يكون سياسياً، أمثال “طارق عمر مبروك” الذي أصبح الآن اللواء “طارق مبروك” و”حسن البنا حامد عمر الإمام” وشقيقه “أبو بكر” و”عادل حسن بشارة” و”حسن حاج أحمد” الآن من التجار.
كان مسجد الحارة الثانية بالمهدية يعج بالشباب وطلبة المدارس، وكانوا يؤدون كل صلواتهم بالمسجد من الصبح حتى العشاء خلال فترة الإجازة، أما في الفترات الدراسية فيؤدون صلاة الظهر بالمدارس.. أما بقية الصلوات فيؤدونها بالمسجد.
استمر أولئك الشباب في علاقة وطيدة ومميزة فيما بينهم، ويتقبلون النصائح ممن هم أكبر منهم مثل الراحل “عبد الرحمن عبد الله” الذي كان يحس الشباب على الاستقامة والبعد عن الهوى والملذات، أول تجربة سياسية خاضها أولئك الشباب كانت في شعبان 1973م، عندما طلب من البعض توزيع منشورات سياسية داخل المدرسة، فنجح أحدهم في توزيعها بوضع كل منشور داخل درج أي طالب، بينما اضطرب الآخر عندما شاهد صول المدرسة يمر بجانب الفصول، فوضع كل المنشورات داخل درج أحد التلاميذ، وعندما دخل الطلبة الفصل اكتشف التلميذ الذي وضعت المنشورات داخل درجه، أن درجه ملئ بالمنشورات، فاشتكى لأحد الأساتذة، ولكن لم يكتشف الطالب أو الجهة التي قامت بوضع المنشورات، رغم أن الطالب الذي وضعها كان يعلم أنه الفاعل.. ومن ثم بدأ الطلبة يدخلون في العمل السياسي تدريجياً بتعبئة التلاميذ والخروج في المظاهرات المناهضة لحكم “نميري”، فنذكر أن “محمد علي الكارس” وهو من إخوان ودنوباوي وكان يدرس بالأهلية الثانوية ويعد من أكبر المحرضين لخروج الطلبة في المظاهرات، فبعد أن يطمئن على خروج طلبة الأهلية كان يذهب إلى بقية المدارس المتوسطة والثانوية في مجمع المدارس بالمهدية، فكان يلقي بالحجارة على أسقف الفصول.. وبعدها يبدأ الهرج والمرج فيخرج الطلبة للانضمام لبقية زملائهم في المظاهرات التي دائماً ما تعمل على إغلاق شارع الثورة بالنص. ومن الطرائف آنذاك أن منزل بعض أساتذة الأهلية الذين كانوا يسكنون الحارة الثانية وهم “الحسين” و”حماد عجيب” و”عبد الكريم” و”عمر سليمان” والي كردفان السابق، وغيرهم، عندما اقتحم رجال الأمن المنزل واعتقلوا من اعتقلوا، جاء الطالب “عوض سليم” إلى المنزل وفي الباب قابله رجال الأمن ولم يعرفهم، ومن حسن حظه مظهره لم يكن دالاً على أنه أستاذ أو طالب بجانب تعتعته في الكلام فاعتبروه درويشاً فأطلقوا سراحه.
آخر الكلام:
شيخ “الأمين حاج الطيب” أحد مؤسسي تلك الحركة الآن يرقد طريح الفراش بمستشفى (تقى) بالقرب من بيت “عبد الله خليل” لتعرضه لحادث حركة بشارع التحدي، نسأل الله له الشفاء العاجل.