ولنا رأي

هل تأخر "سلفاكير"؟؟

الصورة الرائعة التي رسمها رئيس حكومة الجنوب “سلفاكير ميارديت”، خلال زيارته للشمال أمس الأول، والانحناءة لعلم السودان جاءت متأخرة. وكان من المفترض أن تكون الصورة أروع، بعد أن أختار الإخوة في الجنوب الانفصال وتكوين دولتهم.
إن حكومة الشمال وقبل انفصال الجنوب، أبدت حُسن النية ومنحت الثقة الكاملة لأهلنا في الجنوب، من خلال المشاريع التنموية التي أقيمت بعد استخراج البترول.
لقد كنت أحد الصحفيين المحظوظين الذين شهدوا استخراج وتصدير البترول، بل شهدت كل الزيارات التي قام بها الدكتور “عوض أحمد الجاز”، حينما كان وزيراً للطاقة والتعدين لمناطق البترول في جنوبنا الحبيب، كما شهدت التنمية التي استحدثت بتلك المناطق، من مدارس ومستشفيات ومراكز صحية، وإدخال للكهرباء والمياه. لقد حدثت تنمية كبيرة بالجنوب، ولكن أهل الغرض لم يبرزوها، بل كان الطرق على أن الشمال أكل مال البترول، ولم يقدم أي نوع من الخدمات للجنوب، وظل الطرق حتى صدق أهل الجنوب والمجتمع الدولي، أن الشمال فعلاً استأثر بمال بترول الجنوب.
خلال كل الزيارات التي قمت بها لمناطق البترول بالجنوب، منذ العام 1998 وحتى اتفاقية السلام في ،2005 لم أتوقع ولم يخامرني شك، أن دولة الجنوب ستكون في يوم من الأيام دولة منفصلة عن الدولة الأم. والسبب أن معظم مشاريع التنمية كانت تستهدف مواطن الجنوب في كل المناطق، ومنح أهل الشمال ثقتهم الكاملة لأبناء الجنوب. ولو كان هناك رجل رشيد من أهل الجنوب، لما وصل الحال للذي وصله قبل زيارة الرئيس “سلفا” للشمال. فقد أضاع أهل الجنوب فرصة تاريخية لبناء دولة ذات سيادة، وأضاعوا زمناً طويلاً في الحرب والملابسات والمخاشنات، ولو امتدت الأيدي البيضاء من غير سوء، لما حدث الخراب والدمار في الدولتين.
لقد أحس الرئيس “سلفاكير” أن بعض رجاله، كانت وراءهم أجندة وغرض لإحداث تلك الزعزعة، وإلا لعاش فترة ما بعد الانفصال في أمن وسلام وطمأنينة، ولتفرغ لبناء دولته التي ظل يحلم بها، ويحلم بها كل أبناء الجنوب، بعد أن زين أولئك المخاوين لهم، أن الشمال استعمر الجنوبيين وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، ولذلك حان الوقت للتحلل من عبودية الشمال لبناء دولة الجنوب، وإنسان الجنوب صاحب السيادة والرفعة والمكانة الأولى، أو إعادة وضعه الطبيعي شأنه وشأن كل إنسان في العالم.
لقد حلم أبناء الجنوب كثيراً وحاولوا ترجمة هذا الحلم إلى حقيقة من خلال التصويت للانفصال، فباتوا ليلتهم في أول يوم للتصويت في مراكز الاقتراع . ولم يدرك أولئك أن أصحاب المصلحة دفعوهم دفعاً لذلك، من أجل تحقيق مصالحهم ومآربهم الخاصة، وبالفعل تحقق الانفصال بنسبة فاقت الـ 99%، وهي نسبة عالية جداً لولا أصحاب المصلحة والمنفعة.. ولكن ماذا حدث بعد الانفصال؟ لقد شرب الجنوبيون المقلب، فلم يصبحوا سودانيين مائة بالمائة ولا جنوبيين مائة في المائة، فباتوا في العراء في انتظار ترحيلهم إلى المجهول، وبالفعل كان مجهولاً، دولة حديثة تخلو من البنية التحتية وقياداتها تتصارع، مع من أعطتهم الحرية الكاملة، فبدلاً من الالتفات لإنسان الجنوب، ظلوا في مشاحنات مع دولة الشمال .. حتى أيقن الرئيس “سلفاكير”، الذي يطمع أن يكون “مانديلا” آخر في القارة السمراء، فأحدث تغييراً شاملاً، فأقال كل المتاريس التي تقف أمام طموحه لبناء دولة الجنوب .. لذا عندما قرر زيارة دولة الشمال، جاءت بنية صادقة وقلب مفتوح من أجل طي صفحة سوداء وبناء صفحة بيضاء، تدفع بالعلاقات بين البلدين إلى الأمام، تفتح الحدود ويستمر تدفق النفط، ليتدفق الخير بين شعبي البلدين، ويعود أبناء الجنوب لزيارة أهلهم في الشمال، ويذهب من في الشمال لزيارة إخوانه في الجنوب، ويواصل إخواننا الجنوبيون مواصلة الاستماع لـ”وردي” و”كابلي” و”عثمان حسين”، وغيرهم من الفنانين الذين أحبهم وعشقهم أبناء الجنوب قبل الانفصال.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية