مَن يُنقِذْ مستشفى أم درمان؟!
وصلتني هذه الرسالة من الدكتور “سيد عبد القادر قنات” معلقاً على ما تناولته الزاوية في الأيام الماضية عن مستشفى أم درمان وما آلت إليه.. وننشر نص رسالة الدكتور “قنات” التي جاء فيها..
إن السلطة الرابعة هي لسان حال الشعب، وهي أملهم المُرتجى في تعرية وكشف الإخفاقات والسلبيات مع النقد الهادف للسلطة من أجل الإصلاح.. هي مهنة النكد في وطن صار الرأي فيه محجوراً، ومن يجدون كوة يجتهدون من أجل إيصال رسالتهم إلى المسؤول، لأن القلم الذي أقسم به رب العزة هو لسان حالها، ونعلم جيداً أن صحيفة (المجهر) هي جزء من الكل (ومن رأى منكم منكراً فليغيره……)، ورسالتها تأتي عبر كُتّابِها، (ولنا رأي) عمود من أجل المهمشين ومنبر حر لمن لا منبر له.
كتب الأخ “صلاح حبيب” في العدد (282) بتاريخ 30/1/2013 تحت العنوان أعلاه.
أولاً نشيد بكتاباته وطرحه لموضوع الخدمات الصحية، التي نتفق معه جملة وتفصيلاً في أنها وصلت من السوء إلى درجة الكارثة في الفترة الأخيرة في كل السودان، وقد لخص هو الأسباب في فقرة تقول: وهذا يعني أن وزارة الصحة الاتحادية أو الولائية قد رفعت يدها تماماً عن المستشفيات، فإذا كان هذا حال (أم المستشفيات) فماذا سيكون الحال بمستشفى النو والبلك وحمد النيل وبقية المستشفيات التي كانت تحتضر؟ ونزيدكم.. كيف يكون حال مستشفيات الأقاليم؟
أستاذ “صلاح”.. إن وزارة الصحة الاتحادية وبعد أن تم تجريدها من مسؤوليتها تجاه هذه المستشفيات، بل وحتى المراكز القومية التخصصية بالأيلولة، فإن المسؤولية المباشرة تقع على وزارة الصحة ولاية الخرطوم، وعلى رأسها وزير بروفيسور، ولكن نقول: ما هي الأسباب التي أتت به وزيراً وهو ربما يكون قليل الخبرة والتجربة والعلاقات العامة، وقد كتب عنه د. “المعز عمر بخيت” مخاطباً السيد الوالي: إن تم تعيينه وزيراً للصحة فإن أبواب جهنم ستفتح عليه. ولهذا نرى التدهور قد حل سريعاً في جميع المستشفيات، وحتى مُقدمي الخدمة غير مُقتنعين به وزيراً، بل ولم تخل صحيفة يومياً من توجيه النقد لكيفية إدارته للشأن الصحي، بل جهنم فُتحت على الشعب السوداني وهو في أسوأ حالاته– المرض.
إن المقارنة بين مدير سابق كانت أموال التسيير تأتيه زماناً ومكاناً دون نقصان، ومدير حالي لا تأتيه إلا بشق الأنفس، علماً بأن مسؤولية وزارة الصحة تجاه المواطن وما توفره للمؤسسة حسب حاجتها وما تقدمه من خدمات وليس لشخص المدير وعلاقته أو قربه من السلطان، وكل يجتهد في تحقيق احتياجات المواطن وتطوير الخدمات وتنميتها.
المدير الحالي هو المدير الوحيد في كل مستشفيات الولاية الذي جاء عن طريق اختيار العاملين له، لما يدركونه في شخصيته واجتهاده، وما نراه اليوم من عمل في ظروف استثنائية، لأنه مُحارب من قبل قيادة وزارة الصحة حرب شعواء لا هوادة فيها، والأدلة كثيرة، بل يمكنكم تسجيل زيارة للمستشفى والوقوف بأنفسكم والاستماع للمدير والأطباء والعاملين، وقد سبق أن أجرت صحيفتكم تحقيقاً صريحاً من داخل المستشفى ووقفت على سلبيات وزارة الصحة الولائية وحربها ضد المدير والعاملين والمرضى.
عليكم أن تتساءلوا أين مال التسيير الشهري لهذا المستشفى؟ ومتى يصل إلى خزينته؟ ألم تسمعوا بحجوة الدواء الدوار؟ مستشفى لا يأتيه دعم حتى من المسؤول، فكيف له أن ينهض بخدماته ومسؤوليته تجاه المرضى؟ هل يُعقل أن ترمي إدارته في الماء وتقول لها إياك أن تبتلي؟ إن التردد على مستشفى أم درمان وهو فعلاً (أم المستشفيات) يفوق حد الوصف، والأسباب لجد كثيرة.. مثلاً مستشفى أمبدة النموذجي الذي لم يبلغ التسعة أعوام انهار بسبب الفساد، والصيني ليس به حوادث، والمراكز الصحية تقفل من (ضُهراً بدري) ومستشفيات طرفية يُفضّل جيرانها (أم المستشفيات) لأنهم يدركون أنها تُقدّم أفضل الخدمات، بل يعلمون علم اليقين أن تلك الافتتاحات البروتوكولية ليست إلا ذراً للرماد على عيون الشعب المغلوب على أمره، وزيارة واحدة لحوادث مستشفى الإمام ستقنعكم بالحقيقة الغائبة والفضيحة (أم جلاجل).. فهلا تكرمتم وسنكون حُضوراً معكم إن شئتم؟!
إن زيارة السيد الوالي كانت من أجل الوقوف على حال مستشفى أم درمان ومن رأى ليس كمن سمع، ولهذا أعلن دعمه مادياً ومعنوياً لإدارة المستشفى لإدراكه أن هنالك قصوراً من الوزارة تجاه المستشفى وتوفير الإمكانيات له، بل أقر بأن المدير العام الحالي مع مجلس الأمناء قد جمعوا (750) ألف جنيه من الخيرين، وهذا يدل على أن المدير العام علاقاته ممتدة مع المجتمع.
إن الاختصاصيين والأطباء والكوادر العاملة بمستشفى أم درمان وعلى رأسهم المدير العام د. “أسامة مرتضى” استشاري جراحة الترميم والحروق والتجميل، يتحملون مسؤوليتهم تجاه هذا الصرح من أجل المواطن السوداني، وهو في أسوأ الظروف– المرض، دفعوا من جيوبهم وطرقوا أبواب الخيرين وأهل البر والإحسان، ولهذا فإن كثيراً من الإصلاحات والتحديث تقف شاهدة.. ولا ننسى دور إخوتنا في الكنيسة والجالية الهندية بأم درمان ودعمهم اللا محدود، وكذلك دور مجلس أمناء المستشفى من أجل الإصلاح.
أستاذنا “صلاح حبيب”.. أنتم ونحن جزء من هذا الشعب، علينا أن نهتم بأمر الصحة تعليماً وتثقيفاً ووقاية وخدمة، وتقدم الدول يعتمد على الأصحاء الأقوياء، فالعقل السليم في الجسم السليم، وما زال دوركم فيه كثير من المرتجى، فزيارة واحدة لا تكفي ومقال واحد يُنسى. لهذا ندعو عبركم جريدة (المجهر) لتحمل مسؤوليتها تجاه الخدمات الصحية حتى يصل صوتكم إلى المسؤول علّ وعسى تجد كلمتكم أذناً صاغية عند مُتخذ القرار. وحتى مُتّخذ القرار إن لم يكن المناسب في المكان المناسب، القوي الأمين، خبرة وكفاءة وتجرداً ووطنية مع توفير الإمكانيات واعتبار الصحة من الأولويات، فكأنك (يا أبزيد ما غزيت)!!
نحن في انتظار زياراتكم وتحقيقاتكم الشاملة عن الصحة في السودان.. وإلى ذلك الحين يديكم دوام الصحة وتمام العافية والشكر على العافية.
د. سيد عبد القادر قنات