ما إن تحل حكومة جديدة في البلاد سواء أن كانت حكومة جاءت عبر انقلاب عسكري أو ديمقراطية، تسمعها بعد عُدة أيام بأنها وجدت الخزينة فاضية، مما جعلها عاجزة عن تحقيق طموحات الشعب أو توفير القوت الضروري لهم أو العمل على حل مشكلة الخبز أو الوقود، لا أظن في حكومة جاءت وإلا معاها تلك النغمات، إن الحكومات التي تدعي بأنها وجدت الخزينة فاضية يجب عليها أن تقبض على رأس الدولة وكل الوزراء، فإما أن تصادر كل ممتلكاتهم وإعادة المال إلى خزينة الدولة أو معرفة أين ذهبت أموال الشعب ولماذا تركوا الخزينة فاضية؟، في النظام المايوي حينما حل قال نفس النغمة الرئيس الأسبق “جعفر نميري” وطاقم حكومته بل بدأوا في شتم الأحزاب التي استولوا منها على السُلطة فحملوها ضياع ممتلكات الدولة، مما جعلهم عاجزين عن الوفاء بالخبز والوقود، وعلى الشعب أن يتحملهم، ثم جاءت الديمقراطية الثالثة فقالت أيضاً بأن العسكر نهبوا البلاد وتركوا الخزينة فارغة، وعلى الشعب أن يصبر عليهم، ثم جاءت الإنقاذ بعد الانقلاب الذي حدث في الثلاثين من يونيو 1989 فشنت الإنقاذ هجوماً على الأحزاب وعلى الحكومات السابقة، وإنها وجدت الخزينة فاضية، فالقمح لا يكفي إلا ليوم أو يومين، وهنا شح في سلعة السكر فصدق الشعب تلك المقولة، وصبر على الإنقاذ فشرب الشعب الشاي بالبلح والحلوى، نظراً لانعدام السكر، فعانى الشعب في بداية الإنقاذ، ولكن كان صابراً على أمل أن يتحسن الحال، وبالفعل بدأت الإنقاذ في إيجاد الحلول، ولكن الحياة كانت شبه مستحيلة ومن ثم انتعشت الأسواق وبدأت الحياة تعود إلى طبيعتها إلى أن بدأت اكتشاف البترول وتصديره، وفي تلك الفترة عاش السودان أجمل وأزهى أيامه، واستعاد الجنيه السوداني عافيته أمام العُملات الأجنبية، وأصبح الدولار يساوي جنيهين أو ثلاثة.. والجنيه السوداني يساوي أربعة جنيهات مصرية، فازدهرت الحياة وبدأ المستوردون من تجار الفاكهة يستوردون كل أصناف الفاكهة من آسيا ومصر والخليج فعاش الشعب حياة الرفاهية، ولكن الدولة في تلك الفترة لم تفكر في المستقبل وكيف توظف الأموال من خلال البنيات التحتية، صحيح أقامت البعض منها مثل الكباري، ولكن الزراعة كانت الأهم في ذلك الوقت، لأن الإنتاج الزراعي كان بالإمكان أن يدخل على البلاد عُملات صعبة ترفل الاقتصاد السوداني بكميات من العُملات الصعبة، إلا أن الإنقاذ كانت تفكر في إقامة المشاريع الخاصة، فمنحت منسوبيها كل ما يريدون من مال لإقامة العشرات من الأراضي الزراعية، بل هبت عليهم النعمة فبدأ كل واحد في بناء العمارات الشاهقة في أرقى الأحياء السكنية، ولكن حينما سقطت الإنقاذ جاءت نفس النبرة الأولى للحكومة الانتقالية بأنهم وجدوا الخزينة فاضية، فظلت الأزمات في مكانها أزمة الخبز والوقود والمواصلات، فكل الأزمات التي لاحقت الحكومات السابقة حلت عليها تلك، ولكن الحكومة الحالية التي جاءت عبر ثورة شعبية لماذا لم تحاسب الحكومة السابقة حتى الآن؟ لماذا تتعلل بأنها وجدت الخزينة فاضية، وهي تعلم أن منسوبي النظام السابق أفسدوا أيما إفساد، فلو ذهبت إلى المناطق الجديدة بأطراف الخرطوم لعرفت أين ذهبت أموال الشعب، قبل أيام تداول عبر الوسائط فيديو قديم للنائب الأول لرئيس الجمهورية الأسبق الأستاذ “علي عثمان” وهو يعرض في البرلمان كشف عن راتبه الشهري والذي قال فيه بأن المبلغ المستحق لأخذه من خزينة الدولة بعد الاستقطاعات (11) ألف جنيه، طيب يا سعادة النائب كيف بنيت هذا البيت الفخم؟! وهل مبلغ الأحد عشر ألف جنيه إذا وفرت منه ثلاثة آلاف هل تستطيع أن تبني غرفة؟!!
أما وزير المالية الأستاذ “علي محمود” الذي قال فوائد ما بعد خدمته، وهو وزير اتحادي لم تتجاوز الأربعين ألف جنيه، طيب كيف أصبح لك أربع نساء ومنزل ناطحات سحاب؟!!، فالخزينة الفاضية أم أن يكون سرقها النظام؟ أيا كان في الحكم العسكري أو الديمقراطي وإما أن تكون الحكومة التي حلت بديلاً كاذبة، فأين الحقيقة؟.