آخر سنوات “البشير” (15)
بعد تعيين ضابط الأمن السيد “طه عثمان أحمد الحسين” مديراً لمكتب رئيس الجمهورية خلفاً للواء الشرطة -وقتها- “هاشم عثمان الحسين”، بعد ترقية “هاشم” إلى رتبة (فريق أول) وتعيينه مديراً عاماً لقوات الشرطة ، أصبح “طه” (الكُل في الكُل)، وتقدم على (رجال حول الرئيس) في درجة القرب والتأثير في اتخاذ القرارات الرئاسية .
بنهاية شهر ديسمبر عام 2013م ، خرج كلٌ من “علي عثمان محمد طه” ، “نافع علي نافع” ، “عوض أحمد الجاز”، “أحمد إبراهيم الطاهر” و”أسامة عبدالله محمد الحسن” من الدائرة العليا المحيطة بالرئيس ، وذلك في إطار تطبيق سياسات الإصلاح الحزبي والحكومي التي تنحى بموجبها عددٌ من رجال الصف الأول في حزب المؤتمر الوطني لإتاحة المجال لقيادات شابة .
كان الرئيس يسعى لاستبقاء وزير الكهرباء والسدود “أسامة عبدالله” في موقعه أو موقع آخر كوزارة التعدين، لكنه واجه ضغوطاً مكثفة داخل اجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني الذي أجاز التعديلات . طُرح اسم “أسامة” للتصويت، فلم يوفق في نيل أصوات غالبية المكتب القيادي، فأُسقط في يد الرئيس الذي كانت أمامه مهمة أخرى أهم هي تمرير اسم الفريق أول “بكري حسن صالح” نائباً أول لرئيس الجمهورية بديلاً للأستاذ”علي عثمان” الذي كان يتزعم تيار الإصلاح ويصر على مغادرته وآخرين لمواقعهم في الدولة والحزب ، وكان الرئيس منشغلاً أيضاً باحتفاظ خليله وصديقه ومرافقه الفريق أول “عبدالرحيم محمد حسين” بمنصب وزير الدفاع .
ظل “البشير” طوال السنوات الأخيرة من حكمه يفرض على المكتب القيادي أن يترك له أمر اختيار وزيري الدفاع والداخلية ، باعتباره أعرف بالعسكريين، تماماً كما فعل المكون العسكري في مجلس السيادة مع شركائه في قوى الحرية والتغيير.
غير أن المكتب القيادي تدخل هذه المرة في ترشيح “عبدالرحيم” نفسه ، وكان اجتماعاً عاصفاً ارتفعت فيه مستويات الجرأة في مواجهة الرئيس ، ربما لأن المغادرين وعلى رأسهم “علي” و”نافع” لم يكن لديهم ما يخشونه ، و(المفارق عينو قوية) !!
بعد شد وجذب ، وافق الرئيس على استحداث منصب وزير دولة للدفاع تولاه الفريق “يحيى محمد خير”، رغم تحفظ الفريق أول”عبدالرحيم” على وجود هذا المنصب الذي يخصم من سلطات الوزير الأول . وعرف “يحيى محمد خير” بأنه عسكري من الطراز الأول، كان قائداً لمنطقة النيل الأزرق العسكرية إبان تمرد رئيس الحركة الشعبية – قطاع الشمال والي الولاية “مالك عقار” في سبتمبر عام 2011م بُعيد انفصال جنوب السودان . وقاد “يحيى” عملية عسكرية واسعة طارد فيها قوات الجيش الشعبي إلى تخوم “الكرمك” و”قيسان” ، ولولا وجود عسكري بشجاعة وجرأة “يحيى” في تلك الظروف السياسية والأمنية بالغة التعقيد ، لربما سقطت “الدمازين” وأرجاء واسعة من الولاية في يد التمرد . وقد لفت نظري أداء الجنرال “يحيى” عند زيارتي للدمازين بعد أيام من تمرد “عقار”، وكانت المدينة يومها كالأطلال، فقد فرّ مواطنوها وخلت شوارعها من المارة، وانتشر الجيش في كل مكان، فكتبتُ عنه وعن أحداث الولاية، وظللتُ أصفه بـ(أسد الجيش الهصور) . وقد كتبتُ خلال سنوات عن ثلاث قادة عسكريين مشيداً بقدراتهم وهم “عماد الدين مصطفى عدوي” ، “كمال عبدالمعروف” و”يحيى محمد خير” ، والحمد لله أن ثلاثتهم وصلوا رئاسة هيئة أركان القوات المسلحة وتقاعدوا في رتبة (فريق أول) ، وقد كنا ننتظر منهم المزيد لأجل حماية الوطن واستقراره .
صعد “طه عثمان” إلى وظيفة مدير مكتب الرئيس بعد أن قرر “البشير” ذات مساء من صيف عام 2009 إعفاء الفريق أول “محمد نجيب الطيب” من منصب مدير عام الشرطة . في ذلك المساء المُكفهر .. كان الرئيس غاضباً بسبب معلومات وردت إليه عن ما يجري في أروقة رئاسة الشرطة ، فقرر إحالة “محمد نجيب” للتقاعد فوراً ، فنادى على سكرتيره “طه” ، وقال له : (شوف لي هاشم وين .. يجي الآن) .. ويحكي لي الفريق “طه” – نفسه – أنه اتصل هاتفياً بـ”هاشم” فوجده في زيارة عائلية في “شندي” وكان الوقت عطلة نهاية الأسبوع ، فعاد مسرعاً إلى الخرطوم تلبية لنداء الرئيس ، حيث صدر قرار جمهوري بإعادته إلى الشرطة بعد ترقيته وتعيينه مديراً عاماً .
أصبح “طه” مدير المكتب الرئاسي في القصر الجمهوري بعد أن كان سكرتيراً في مكتب الحزب وبيت الضيافة .
نواصل غداً .