على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي يزخر بها السودان على مستوى الأفراد أو الشركات أو أي منتج سوداني إلا أننا نفشل دائماً في الترويج لأنفسنا أو لمنتجاتنا، إما تواضعاً أو خجلاً أو عدم معرفة بقدراتنا، لا أحد لم يمر أسفل كبري كوبر، ولكن هل يعلم أحد أن أسفل هذا الكبري تقام فيه أكبر منتج للمحولات الكهربائية التي كانت ترهق ميزانية الدولة من العُملات الصعبة، لقد مررت بتلك المنظقة عشرات المرات ولكن لم أفكر يوماً أن هذا المحل به هذه الثروة الهائلة من المحطات الكهربائية والمحولات التي تبلغ تكلفتها ملايين الدولارات. أوقفت من أجل توطين الصناعة في السودان، كنت في رفقة الزميل الإعلامي الأخ “هاشم عثمان” إلى هذا المصنع الذي يطلق عليه مصنع ترانسودان للمحولات الكهربائية، وهو شراكة سودانية تركية أنشئ في العام 2016 تقريباً مختص بصناعة المحولات الكهربائية ومحطات الكهرباء، عند مدخل البوابة الرئيسية للمصنع لا أحد يعترضك ولا تظن أن هذا مصنع بتلك الإمكانيات الهائلة من الهدوء الذي يلف كل جنباته، المبنى ضخم مكون من عدة طوابق خصصت إلى الإدارة والموظفين إلى جانب الطوابق الأرضية التي خصصت إلى صناعة المحولات، رافقت المهندسين المختصين بتلك الصناعة، الأستاذ “الهادي مصطفى” نائب المدير العام والباشمهندس “طارق بكري” مدير إدارة التشغيل والأستاذ “محمد يوسف” مدير إدارة التسويق لقد ذهلت من الإمكانيات الموجودة في هذا المصنع، وقلت لهم حرام عليكم تحرموا الشعب السوداني من هذا العمل الكبير، وقلت لهم إن الإمكانيات التي يزخر بها السودان من المفترض أن يعلمها الجميع خاصة وأن الكهرباء تعد الشريان الثاني مع المياه للحياة، تجولت داخل المصنع برفقة أولئك المهندسين الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً تقريباً وهي الفترة التي تعد من أخصب فترات العمل، بدأ المصنع إنتاجه في العام 2017 تقريباً بما يقارب في العام الأول (380) محولاً ارتفع الإنتاج إلى ثلاثة آلاف محول وفي هذا العام ورغم الظروف التي مرت بها البلاد من ثورة ديسمبر، أنتج المصنع خلال سبعة أشهر ما يقارب السبعمائة ألف محول وبمواصفات العالم اليوم، وهناك أجهزة تعمل على فحص المنتج بواسطة مهندسين أكفاء ومن ذوي الخبرات والتأهيل العالي إذ إن صاحب المصنع قام عند بداية التأسيس باصطحاب عدد من الذين وقع عليهم الاختيار للعمل بالمصنع فجرى تدريبهم وتأهيلهم بتركيا فاطمأن على إمكانياتهم وقدراتهم العملية، فجرى امتحان لهم مع العاملين الأتراك فكانوا الأوائل عليهم، ومن ثم تم اختبارهم عملياً إذ إنهم شاركوا في صناعة المحولات والتي بيعت بالسوق المحلي التركي، المصنع عند بدايته كان يستوعب ما يقارب الـ(360) من مهندس إلى عامل، وبعد إدخال أجهزة الحاسوب أصبح العمل كله كمبيوترايز أي أن العاملين الآن تقلص عددهم إلى خمسة وستين يعملون بكفاءة عالية جداً، والحق المصنع وحدات حديثة ساعدت في زيادة الإنتاج من ثمانية محولات في اليوم إلى أكثر من خمسين محولاً يومياً فالوحدات الحديثة ساعدت في زيادة الإنتاج الذي من المتوقع أن يرفل بها دول الجوار الأفريقي، وبدأ الاتفاق مع عدد من تلك الدول التي يتوقع أن يذهب الإنتاج السوداني إليها خلال الفترة القادمة، فإنتاج المصنع لها ضمان لعدد من السنين بينما يعيش المحول إلى ما يقارب الخمسة وعشرين عاماً وإذا ما أصيب بأي أعطال يمكن أن تتم صيانته بأقل تكلفة، إن توطين الصناعة في السودان لابد أن تبدأ بأولئك الشباب الذين كان لهم دور كبير في صناعة الثورة، ونحن في حاجة إلى مثل تلك الصناعات خاصة وأن الأرض السودانية في حاجة إلى الكهرباء وهذه المحولات يمكن الاستفادة منها في المشاريع الزراعية بالولاية الشمالية، مع إدخال المحطات الكهربائية التي بدأ إنتاجها وقلت تكلفتها مع صغر حجمها مقارنة مع ما كان في السابق فعلينا بالتسويق لأنفسنا ولمشاريعنا العملاقة.