النفس البشرية تحتفظ بالخير والشر، والإنسان في أغلب الأحيان لا ينسى فإن فعلت له خيراً احتفظ لك بهذا الصنيع وإن عملت له شراً أيضاً احتفظ لك بهذا الصنيع. ولكن يقال إن تسمية الإنسان جاءت من النسيان فلولا النسيان لظل المرء في حالة حزن أو غضب أو فرح دائماً، فحينما يأتيك مكروه فتحزن على عزيز لديك فتطول حالة الحزن، ولكن بعدها تنسى فراق هذا العزيز وكأنّ شيئاً لم يكن. ونحن الآن في حالة ثورة جديدة ولاعبين دخلوا الميدان، وظلت الأصوات تعلو وتنخفض بين المتصارعين أو المتنافسين؛ التيار الإسلامي والتيار اليساري، وفي ظل هذه الثورة لم ينسَ تيار اليسار ما فعله معه تيار الإسلاميين وبدأت الآن الهواجس والمخاوف إذا ما تسلم تيار اليسار مقاليد السلطة بالبلاد فماذا سيفعل مع الإسلاميين الذين فقدوا السلطة، وكيف ستكون المعاملة وهل ستكون هناك تصفية حسابات قديمة مع الإسلاميين أم أنهم سوف ينسون الماضي ويعملون كأبناء اليوم؟ المرء أحياناً لا ينسى إن كان الظلم بقصد أو عملية تشفي من الآخر فهنا النسيان مستبعد تماماً، فإذا عدنا إلى أيام الإنقاذ الأولى وكيف كانت معاملة الدولة مع المحكومين، فمهما حاول البعض النسيان يصعب عليه خاصة مثل عمليات القتل بدون ذنب أو بدون سبب، لذا الآن المخاوف شديدة من عملية التغيير فليس الخوف من اليسار الذي سيتسلم السلطة، ولكن الخوف من إعادة الماضي وما حدث فيه، فثلاثون عاماً لم تنس أم الشهيد كيف اغتيل ابنها، ولماذا لم تنفع كل التوسلات من قبل الأم إلى الحكام؟ ولماذا لم يستجب الحاكم إلى توسلات تلك السيدة التي تعتبر أن ابنها لم يقترف ذنباً حتى يموت تلك الميتة التي لا يرضاها المولى عز وجل، ورغم طول تلك الفترة الطويلة إلا أن المشاهد القديمة تظل باقية.. وما أن جاء هذا التغيير فأعادت تلك النفس المشهد وكأنه حاضر اليوم، بل جعلت الكثيرين يخرجون الملفات القديمة تطالب بالقصاص من القتلة أو تطالب بتحكيم العدالة في من ارتكب جرماً بدون وجه حق، ولكن هل يمكن أن ننسى الماضي بكل ما فيه وهل تتصافى النفوس وتفتح صفحات جديدة بدلاً عن الحساب والعقاب؟ إن المواطن السوداني يعد من الشعوب التي تنسى ويمكن أن يطوي صفحة الماضي مهما حدث فيها، فالنساء الثائرات الآن والمطالبات بالقصاص من قتلة أبنائهن والأفراد الذين تعرضوا إلى الظلم من قبل النظام السابق يمكن أن ينسوا كل شيء محتسبين كل عمل سيئ ارتكب ضدهم إلى الله، ولكن العمل السياسي والذي كانت إفرازاته تختلف عما ارتكب ضد الأفراد، فهل يمكن أن ينسى الساسة الماضي ويعملوا على فتح صفحة جديدة أو نقطة سطر جديد؟ هذه سوف تكشفها لنا الأيام القادمة فنحن الآن في حالة احتقان وإلى أن تهدأ النفوس ويعود العقل والصواب إلى الجميع يمكن أن نطوي الصفحة القديمة أملاً في عدم تكرار نفس الصورة التي كانت سبباً في هذا الاحتقان، فهل قوى التغيير التي ينتظرها معظم الشعب السوداني الآن لتكوين الحكومة المرتقبة، يمكنها أن تنسى الماضي وتتفاعل مع الحاضر من أجل مستقبل مشرق للأجيال القادمة؟، وهل أعضاء المجلس العسكري الذين وصلوا إلى أعلى المراتب في تلك المؤسسة، يمكنهم أن يقدموا التنازلات لتمضي المسيرة؟ نأمل ذلك.