الفنان “زيدان إبراهيم” عليه رحمة الله في حوار من حواراتنا معه سألته ما هي المناطق التي تشعر بالمتعة وأنت تحي فيها حفلاتك؟ قال لي: (العباسية وأبو كدوك) قال لي ديل أهل طرب وفن ومتعة ويعشقون الفن من أجل الفن، وتشعر وأنت بتغني ليهم بالسعادة، والكل يردد معاك الغنا .. “زيدان” كان صادقاً مع نفسه.. ومع من حوله من المجتمع.. فهو فنان رقم في الساحة الغنائية، لا توقفه الماديات.. ومحب للآخرين ويمتاز بالبساطة والفكاهة والدعابة، عندما التقيته لأول مرة وجهاً لوجه، لم أصدق هذا الرقم بتلك الأريحية والبساطة والمرح، فأهل العباسية وأبو كدوك والموردة تلك الأحياء العريقة في أم درمان، فعلاً هم أهل مرح وطرب ويعشقون الفن، وليس فن الغناء وحده حتى الرياضة وهي واحدة من ضروب الفن، فحينما كانت الموردة في عظمتها وتألقها في الدوري، وحتى على مستوى المنافسات الخارجية أو الداخلية حينما تسجل انتصاراً على واحدة من الفرق تجد أهل تلك المنطقة رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً في الشارع العام، النساء بدلاليكهن وزغاريدهن فرحين ومنتشين لهذا الانتصار الكبير، يسهرون حتى الساعات الأولى من الصباح على قول الأستاذ “أحمد البلال الطيب” رئيس تحرير الزميلة (أخبار اليوم)، إن أهل تلك الأحياء يبعثون الفرح والنشوة في القلوب الحزينة، واذكر حينما كرمت رئاسة الجمهورية، اللواء “عوض أحمد خليفة” ضمن المكرمين في برنامج التواصل الاجتماعي قبل ثلاث سنوات تقريباً، كان الحي بمثابة سودان مصغر، الكل جاء من أطراف أم درمان أهل الطرق الصوفية وناس العباسية والموردة وأبوكدوك فرحين بهذا التكريم لواحد من عمالقة القوات المسلحة والأدب والفن، فكانت النوبات والزعاريد تملأ المنطقة، أهل أم درمان عموماً أهل إبداع وجمال وبهاء. العلاقات الاجتماعية متأصلة فيهم ويحبون بعضهم البعض، لذا نجدها زاخرة بكل ضروب الإبداع من الفن والسياسة والرياضة، فالراحل “زيدان” خرج من تلك المنطقة المشبعة بالإبداع والفن، وحتى وفاته بكته أم درمان بكاءً مُراً وصلى عليه أهل أم درمان في أكثر من مسجد، وكان الكل يبكيه كأنه ابن من أبنائه، فكل الأحياء كانت بمثابة الابن الوحيد لها، لذا فإن ما قاله لنا وعن حُب أهل تلك المنطقة للطرب والفن، لم يكن مزحة أو مقولة ليرضينا بها، ولكن كان صادقاً معنا ومع نفسه.. فالحالة التي عليها البلاد حالياً من اضطراب أمني وقانون طوارئ وتوتر وكراهية لبعضنا البعض، فإننا نحتاج إلى “زيدان إبراهيم” في تلك المرحلة حتى تخرج الناس من هذا التوتر، وأن يعود الود والصفاء بين الناس من جديد، وأن تتشابك الأيدي والسواعد من أجل البناء والإعمار بدلاً من تلك الحالة التي تدعو إلى الخراب والدمار، فالسودان يتمتع أهله بالطيبة والبساطة والمحبة فهم في أمس الحاجة إلى التصالح في ما بينهم.. وأن يعود السودان الجميل بأهله وأن يستمتع الكل بالغناء الجميل، “زيدان وكابلي ووردي وعثمان حسين وفرفور وعاصم البنا والفرجوني” وأن تعود الميادين الرياضية ونفرح بانتصارات الهلال والمريخ، وتعود الموردة الضلع الثالث إلى الكرة السودانية ويعود أهل الموردة والعباسية و(اصحا يا بريش) وتعود النغمة الحلوة التي ترددها الجماهير أو تنقا والنقر جا، ونفرح زي أطفال في يوم العيد، حينما يلبسون بناطلينهم الجديدة ويخرجون إلى الصلاة وهم في قمة النشوة والفرح، فهل يعود لنا سوداننا الذي أحببناه ونطوي خلافاتنا وصراعاتنا ونحتسي أكواب الشاي والقهوة مع بعضنا البعض.