ماذا حققنا من الاستقلال؟
مرت أمس الذكرى (63) لإعلان الاستقلال من داخل البرلمان وهي ذكرى حبيبة إلى نفس كل سوداني عاش عهد الظلم والاستعباد إبان الحكم الإنجليزي وغيرهم ممن حكموا السودان بعد سقوط المهدية ، التي أذاقت المستعمر ألواناً من العذاب من خلال الحروب التي قادها أمراء المهدية “عثمان دقنة” بالشرق، و”محمود ود أحمد” و”الزاكي طمل” وغيرهم من الأمراء الذين حملوا الراية حتى جاءت الطامة الكبرى بالهزيمة الكبرى لجيوش المهدية بقيادة البطل الخليفة “عبد الله ود تورشين” ، كانت ملحمة كبيرة، ولكن القادة لم يقدروا الموقف مع الآلة الحربية الفتاكة ولذلك سقطت المهدية وجثم الإنجليز على حكم السودان طوال تلك الفترة من 1898 حتى خروجهم قبيل الاستقلال، الذي كان بالأمس الاحتفال به من داخل البرلمان، ونحن نجتر سنوياً تلك الذكرى ونصرف فيها الأموال الطائلة باعتبارنا تحررنا من قبضة المستعمر اللئيم، ولكن لو نظرنا لما بعد تلك الذكرى الطيبة نجد أننا مازلنا نقف في تلك المحطة فلم نستفد من العظات والعبر ولا الآباء الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض الوطن ظللنا مختلفين ساسة وسياسيون وحكام وشعب لم نستفد طوال الثلاثة والستين عاماً، ولم نطور أنفسنا بل ظل الحقد والحسد يمشي بيننا ولم يعترف كل حزب بالآخر فكل حزب يظن أن البلد بلده يعمل فيها ما يشاء، فتراجعنا إلى الوراء، بينما الشعوب التي نالت استقلالها من بعدنا الآن في المقدمة بينما نحن الذين علمنا الشعوب كل شيء تراجعنا وأصبحنا نجتر الذكريات الطيبة، وكنا كذا وكذا ، فلابد أن تتوحد كلمتنا ولابد أن نقف متحدين من أجل الوطن وترابه ومن أجل الرعيل الأول الذي سلمنا الراية ناصعة بيضاء ليكمل بقية الشعب ما بدأه أولئك، ولكن هل فعل الجيل الذي تلا الاستقلال أو حتى الجيل الحالي شيئاً من أجل الوطن ،إننا نتذكر الماضي فقط ولا نعمل للمستقبل وها نحن وبعد (63) عاماً نبحث عن قطعة الخبز وجالون الوقود ، وما زلنا نتصارع من أجل كرسي السلطة فهل الجالسون عليها استطاعوا أن يخرجوا البلاد من أزماتها في الصراع المستمر بينهم، إذاً لابد من وقفة بعد تلك السنين الطويلة من التحرر، لابد أن نتحرر أكثر في كل شيء وأن ننظر إلى المستقبل بعين فاحصة وأمل حتى نكون حققنا فعلاً الاستقلال الذي ينشده الجميع.
وإذا لم نتحد ونعمل سوياً ونترك المؤامرات ضد بعض فستأتي الذكرى القادمة وسيكون الحال نفس الحال وسنعمل على اجترار الذكريات ونتباكى على الماضي الذي ضحى من أجله رجال سكبوا الدم والعرق من أجل أن يكون لنا وطن اسمه السودان، فالسودان بلد غني بكل الموارد البشرية وغني بمحاصيله الإنتاجية من قطن وصمغ وذرة وفواكه وغيرها من الكنوز التي مازالت في باطن الأرض، فإن أحسنا العمل فلن تقوى دولة في العالم علينا، لأن الكنوز التي مازالت في باطن الأرض محتاجة إلى الوحدة ومحتاجة للترابط ومحتاجة إلى الكلمة التي تجمع بيننا ولا تفرق كما تفرق جزء عزيز من الوطن بسبب الصراعات وعدم احتمال الآخر، فالفرصة ما زالت مواتية لبناء الوطن واللحاق بركب الأمم المتقدمة.