أكملت حكومة الوفاق الوطني الثانية شهراً كاملاً على تشكيلها، ولكن الحال لم يتغير ولم يتبدل عن حال الحكومة الأولى رغم الجهد الكبير الذي يقوم به رئيس الوزراء الأستاذ “معتز موسى” ، حاول رئيس الوزراء وزير المالية أن يجعل كل همه خلال تلك الفترة مركزا في الشأن الاقتصادي، فكانت ضربة البداية إلى بنك السودان فعقد اجتماعاً مع السيد المحافظ الدكتور “محمد خير الزبير” وأركان حربه بالبنك ، وخرج من اللقاء بطباعة كمية كبيرة من أوراق العملة فئة المائة والمائتين والخمسمائة جنيه خارج البلاد لحل أزمة السيولة ، ومن ثم التقى بالجهات المسؤولة بالصندوق القومي للدواء واطمأن كذلك على الدواء بالمخازن داخل الصندوق، ومن ثم تحرك إلى جهة متعلقة بقوت الشعب إلا وهي البنك الزراعي المخزون الاستراتيجي، واستمع إلى شرح وافٍ من نائب مدير البنك الزراعي والجهات المسؤولة ،ثم توجه إلى مصفاة الجيلي ووقف على عملها وإمكانية توفر المواد البترولية والغاز واستعدادها لاستقبال بترول الجنوب.
إن الحراك الذي قام به السيد رئيس الوزراء، وزير المالية خلال الشهر المنصرم كله من أجل استقرار الاقتصاد، ولكن كل الذي وقف عليه لم يشعر المواطن حتى الآن بنتاج هذا الحراك الكبير، فلم تنخفض الأسعار ولم ينخفض الدولار، بل إن السياسات الجديدة للصادر والوارد لم تظهر نتائجها ولم نلاحظ أي تفاؤل من التجار ولا من المواطنين، حتى السوق الآن يقف حائراً أمام تلك السياسات، صحيح أن السياسات التي وضعت لن تظهر نتائجها بين يوم وليلة فهي في حاجة إلى فترة من الزمن أقلها ستة أشهر تقريباً، أما الدولار الذي حددت سعره اللجنة أو صناع السوق في أول يوم بسبعة وأربعين جنيهاً ونصف للدولار مقابل الجنيه، فالسعر لم يكن موفقاً كضربة للبداية، ونحن نعلم أن السوق الأسود أو السوق الموازي لا ضوابط له رغم أن السيد رئيس الوزراء ذكر بأن هناك عقوبات ستطال كل من يعمل خارج هذا السوق الجديد، ولكن السيد رئيس الوزراء لم يعرف الآعيب التجار حتى ولو كانوا معك داخل هذا الوضع الجديد ، إن نهم التجار وراء الغنى والثراء لن يجعلهم ملتزمين بتلك السياسات، فالدولار الذي حاولت الحكومة أن تستقطبه من أيدي المواطنين والمغتربين هزمته السيولة المنعدمة بالبنوك، فالمواطن الذي ذهب بقلب مفتوح لبيع ما عنده من دولارات بهذا السعر المجزي لم يجد مقابله عملة محلية ولذلك كان من المفترض أن تتريث الحكومة قبل أن تحدد الأسعار، فالدولة تعلم أن بنوكها خالية من أي عملات محلية أو بها شح ،إذاً لماذا اتخذت هذا القرار قبل أن توفر العملة المحلية لتستقطب بها الدولار الحائم بالخارج، إن السياسة الجديدة أو تحديد أسعار العملات الأجنبية لن تنجح ما لم توفر الدولة كميات كبيرة من العملة المحلية، فمحافظ البنك المركزي قال بأن كميات كبيرة من العملة الورقية في طريقها إلى البنوك، فهذه الكميات إن لم تنزل البنوك خلال أربع وعشرين ساعة فلن يتقدم أي مواطن بعملته إلى أي بنك لذا لابد من إعادة الثقة بين الدولة والمواطنين، فليس من المنطق أن يذهب مواطن وهو يحمل عملات أجنبية ليبيعها إلى البنوك ولا يجد مقابلها بالعملة الوطنية، فانعدام الثقة بين الطرفين الحكومة والمواطن يصبح من الصعب إعادته، فهل الحكومة قادرة خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة أن توفر العملة المحلية نأمل ذلك.