قبل أن تعلن حكومة الوفاق الوطني الأولى قراراتها برفع قيمة الدولار الجمركي من ستة دولارات إلى ثمانية عشر دولاراً نبه رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة، الحكومة من القرار قبل اتخاذه لأنها ستحل كارثة على الاقتصاد السوداني في حالة الرفع بل سيشتعل السوق وستصبح الحياة عسيرة على أصحاب الدخل المحدود، ولكن الحكومة ووزير ماليتها الجنرال “الركابي” لم يعيروا كلام الصحافة أي اهتمام أو نظرة وركبوا رأسهم ولم يعملوا بنصيحة الصحافة، واتخذوا قرارهم من داخل الغرف المغلقة، وحلت الكارثة على الاقتصاد وتصاعدت الأسعار وتصاعد سعر الدولار في السوق الموازي من ثمانية عشر جنيهاً إلى أن وصل إلى الأربعينات بعد أن كان في خانة العشرينات،و بدأ البنك المركزي المسؤول عن تحديد السعر حتى بلغ داخل البنوك تسعة وعشرين جنيهاً ،ولكن في السوق الموازي من المفترض أن يكون الفارق ما بين الاثنين جنيهاً أو أقل من ذلك إلا أن السعر تصاعد وأصبح الفرق ما يقارب العشرين جنيهاً وهو رغم كبير جداً ، فاليوم ستعلن الحكومة القرارات الاقتصادية الجديدة والتي بموجبها سيتم تحرير سعر الصرف، أي تحرير الدولار بالكامل، ولن يكون بنك السودان هو المتحكم فيه،ولكن هذه الخطوة هل ستعيد للاقتصاد عافيته وهل سيتراجع سعر الدولار أم أن السوق سوف يشتعل بتلك الخطوة خاصة وأن بنك السودان ليس له احتياطي من العملات الأجنبية حتى يتحكم في الأسعار، فالخطوة إما أن تؤدي إلى كارثة أكبر من كارثة وزير المالية السابق، الذي لم يسمع لحديث الصحافة والصحفيين قبل رفع قيمة الدولار الجمركي ، فالسوق الآن عطشان والتجار أكثر عطشاً للثراء وزيادة المال.. خاصة وأن عدداً كبيراً منهم له عشرات المليارات من الدولارات بالخارج، فإذا أصدرت الحكومة قراراً بفتح الاستيراد دون أن تتحكم في الأسعار فإن التجار سيبحثون عن الدولار في أي مكان مهما كان السعر ، ولذلك إذا حددت الحكومة السعر الجديد بخمسة وأربعين جنيهاً للدولار فإن السعر لن يتوقف في هذا الرقم كما تحرك من قبل حتى وصل إلى الأربعينات حينما كان السعر تسعة وعشرين جنيهاً، الحكومة بالتأكيد درست الموضوع من كل جوانبه والدكتور “محمد خير الزبير” محافظ البنك المركزي، له خبرة كبيرة في هذا المجال ولا يمكن أن يكون قد اتخذ القرار بمفرده، والسيد رئيس الوزراء، وزير المالية الأستاذ “معتز موسى” فإما أن ترفعه هذه القرارات إلى قمة النجومية أو أن تنزل به إلى الدرك الأسفل ويفقد المواطن آخر خيط كان يتمسك به وهو خيط وزير المالية “معتز” الذي وجد الرضا والقبول من الشعب ومن الأحزاب الموالية والمعارضة،إن تحرير الدولار بالتأكيد ستكون له تبعات سالبة على المواطن البسيط ، فربما تكون هناك زيادات في تعرفة المياه والكهرباء وكل أصناف الطعام واللحوم البيضاء والحمراء والخضروات والألبان وكل شيء يتم استيراده من الخارج،فالخطوة إن لم تكون مدروسة بعناية فائقة ستكون السلبيات أكثر من الإيجابيات وستكون الصدمة التي تحدث عنها الأستاذ “معتز موسى” في بداية تعيينه صدمة حقيقية وليس سوء فهم كما قيل بعد التصريح الذي أدلى به..والأستاذ “معتز” حينما تحدث كان يعي ذلك تماماً فنأمل أن تكون قرارات اليوم برداً وسلاماً على الشعب السوداني، وليس كارثة من الكوارث التي تقع على رأسه.
اشترك بالنشرة البريدية ليصلك كل جديد
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق