ولنا رأي

أي أمة نحن.. لماذا لا نتعظ؟!

صلاح حبيب

عاش سكان النهود مأساة حقيقية بسبب السيول التي جرفت المنازل والمحال التجارية، وجعلت الكثيرين في العراء ولم تكن مدينة النهود وحدها التي تأثرت بأمطار هذا العام، فمدينة كسلا لم تكن أحسن حالاً منها، فقد غمرت المياه أجزاءً من المدينة فحطمت المباني وشردت المواطنين، إن السيول والأمطار لم تأتِ اليوم أو أمس، ولكن السيول والفيضانات منذ عشرات السنين تأتي وتحطم المباني، وتركت المواطنون في العراء بعد أن تعبث بكل ممتلكاتهم، فحصاد السنين يضيع في ثوانٍ، ولكن هل العيب فى هذه السيول والفيضانات أم العيب في الحكومة أم في المواطن؟، فالرد على السؤال الذي يمكن أن يكون قد سأله آلاف المواطنين بعد هذه الفيضانات، فالمواطن الذي يسكن في مجاري السيول هو المسؤول عن ما حدث له، لأن السيول كل عام تأتي وتأخذ المباني وسمع صياح المواطنين وطلب الإغاثة وفي العام التالي تكون نفس المشكلة، نحن أمة لا تتعظ بما يحدث لها، والحكومة لم تهيء إلى المواطنين الأماكن الصالحة للسكن، ولذلك تركت عملية السكن اختياري لكل واحد، فكلما وجد المواطن فضاءً واسعاً شيد فيه منزلاً من الطين أو القماش أو الكرتون وسماه منزلاً، فالحكومة يجب أن تزيل أي منطقة لم تخططها بصورة رسمية، حتى لا تصبح سكناً عشوائياً يقطنه السماسرة، لأن السكن العشوائي دائماً يتحول إلى سكن رسمي إذا اكتظ بالسكان وما في مفر للحكومة إلا أن تخططه، ولكن معظم قاطني هذا السكن هم من سماسرة الأراضي فبعد أن يتم التخطيط يتقاطر السماسرة على تلك المنطقة ويشترونها من الغلابة بتراب الفلوس ومن ثم يتم بيعها بملايين الجنيهات.. أما الغلابة الذين سكنوا المنطقة فحينما يجدون مالا نظير تلك الأرض يبيعونها ويذهبون إلى منطقة أخرى ليفعلوا بها مثل ما فعلوا في المنطقة الأولى، وهكذا يستمر مسلسل السكن العشوائي وهذا هو سر غلاء أسعار الأراضي بالبلاد، فقطعة أرض في منطقة نائية أغلى من شقة في لندن أو القاهرة لأن تجارة الأرض أصبحت أكثر ربحاً من أي شيء فيقولون لك الأرض لا تأكل ولا تشرب وإذا أردت بيعها تمنحك أضعاف ما تتمناه، ولذلك نجد المواطنين يسكنون في مجاري السيول ولا يتورعون مما يحدث لهم ولا يتعظون من أمطار العام الذي سبق، فقط تسمع صياحهم عند هطول الأمطار، وعندما يحدث لهم الضرر يقولون إن الدولة لم تساعدهم ولم تشق لهم القنوات ولا المجاري، عشرات السنين وهذا المسلسل مستمر بل يطالبون الدول العالمية والمنظمات بإغاثتهم، نحن ما زلنا في بداية الخريف ويتوقع أمطار غزيرة هذا العام.. فإن لم تتخذ الحكومة الإجراءات اللازمة تجاه المواطنين الذين يسكنون في الخيران ومجاري السيول، فإننا سنواجه كارثة كبيرة خاصة وأن الريف أصبح طارداً مع الغلاء وصعوبة المعيشة، ولذلك لجأ آلاف المواطنين من قراهم ولم يتوفر لهم السكن المناسب، ولذلك أخذوا بوضع اليد سكنهم في أطراف المدينة والمناطق النائية، فما زال الوقت كافيا لأي معالجات للذين يسكنون في تلك المجاري حتى ولو اتخذت الدولة القانون ضد كل من لم ينصاع لأوامرها، كفى استهتاراً وكفى ضياعاً لممتلكات الدولة وكفى ضياعاً لأرواح المواطنين، فإن كان المواطن مستهتراً أو لا يتعظ بما يحدث له، فالدولة نفسها مسؤولة عن كل الذي يجري سواء في المركز أو الولايات.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية