ورحل بروفيسور “عبد الله أحمد عبد الله”
رحل عن دنيانا قبل أيام البروفيسور “عبد الله أحمد عبد الله” مدير جامعة الخرطوم الأسبق، وحاكم الإقليم الشمالي إبان الحكم المايوي ورئيس مجلس الإدارة في عدد من المؤسسات المختلفة ورئيس المفوضية القومية للانتخابات السابق البروفيسور “عبد الله” عالم في أي مجال يدخله، فقد سبق أن تولى منصب وزير الزراعة وربع فيها ثم سفيراً للسودان بواشنطن في بداية الإنقاذ وكان نعم السفير، لقد عملت معه في انتخابات 2010 منسقاً إعلامياً مع الراحل “أبوبكر وزيري” لم أشعر أن الرجل متسلط على العاملين معه، بل كان باب مكتبه مفتوحاً للجميع كان كالنسمة عند دخوله لم يقف له الموظفون أو يضربوا له تعظيم سلام كما هو مشاهد لدى بعض المسؤولين الذين يرعبون رعاياهم أو يسود الصمت عند دخولهم، ولكن بروف “عبد الله” كان من طينة غير فقد شاهد الدنيا بالطول والعرض، كيف لا وهو الذي ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو في ريعان الشباب حينما بعثته جامعة الخرطوم لنيل درجة الدكتوراه. لم تشغله الدنيا كثيراً، ثم نال الوزارة وهو أيضا في الثلاثينيات من عمره فذاق حلاوة الاستوزار، ونال من متع الدنيا داخلياً وخارجياً ولذلك كان تعامله راقياً مع الجميع بل كان واجهة مشرقة للانتخابات وقتها، فهم قانونها وكان بشرحه للوفود الزائرة بكل ثقة مما حبب معظم الأحزاب فيه تصدى للكثير من سوء الفهم من البعض الذين كانوا يظنون أن العاملين في الانتخابات اليد التي تريدها الحكومة، ولكنه كان مقنعاً بالمنطق كيف لا وهو الذي عركته التجارب سواء في الإقليم الشمالي أو في إدارته لجامعة الخرطوم، أذكر حينما تم تعيينه رئيساً لمفوضية الانتخابات، تقدم باستقالته من كل المناصب التي كان يشغلها في المؤسسات الأخرى، وهذا منتهى الصدق مع النفس قبل أن يكون صادقاً مع الآخرين، لم يمنعه المرض من ممارسة عمله وظل يعمل ويتابع الأنشطة المختلفة وظل يكتب ويكتب للآخرين بتجرد ونكران ذات، البروفيسور “عبد الله” كان كتاباً مفتوحاً ولكن لم يطلع الكثيرون إلا على الصفحة الأولى منه، استطعت أن أجري معه حواراً مطولاً بعد أن شغلت منصب رئيس تحرير (المجهر)، نشرت له في (المجهر) على ثلاث حلقات، استطعنا أن نحصل على القليل من سيرته الذاتية التي بدأها من الولاية الشمالية مروراً بالكثير من المحطات المهمة في حياته حتى أيام الفرح التي عاشها تناولتها وكذلك الحزن.
إن رحيل البروفيسور “عبد الله” خسارة للوطن، فقد قدم الكثير طوال تلك المسيرة الحافلة بالبذل والعطاء في كافة المجالات التي عمل فيها فقد كسب رضا الجميع سواء من قبل الدولة التي اختارته للعمل في المؤسسات السابقة أو من قبل العاملين أو الذين رأسهم فقد كانت سيرته عطرة لم يعكر صفوها شيء وأدى واجبه على الوجه الأكمل ورحل وهو نظيف وطاهر السيرة والسريرة وخالد اسمه بأحرف من نور مع الخالدين من أبناء هذا الوطن الذين بذلوا العطاء كل في مجاله، ألا رحمه الله رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.