"ود المهدي" باع شقته للعلاج.. فكيف حال المواطن؟!
حزنت غاية الحزن، وأنا أقرأ خبر للدكتور “عبد الرحمن الخضر” والي ولاية الخرطوم، وهو يعبر عن أسفه لبيع الدكتور “محمد مندور المهدي” شقته ليصرفها على علاجه، إذا كان “مندور المهدي” القيادي المؤثر في المؤتمر الوطني والسياسي المحنك وأحد قيادات الحركة الإسلامية تفشل الدولة في علاجه ويضطر لبيع شقته الخاصة لينفق ثمنها على علاجه، فماذا يفعل أولئك القادمون من صقع الجمل أو من كبكابية أو من رهيد البريدي أو من أطراف ولاية الخرطوم، الذين لم يجدوا (قطية) أصلاً ليصرفوها على علاجهم.. كيف تترك الدولة رجلاً في قامة “محمد مندور المهدي”، الذي ولد وفي فمه ملعقة ذهب، إذ أن والده كان من رواد التعليم في البلاد، وعاش في بحبوحة من العيش، كيف ليأتي في آخر الزمان، ولم يجد العلاج لمعضلته داخل وطنه ليذهب إلى دول الضباب باحثاً عن العلاج الذي أرهق كاهله، وعندما لم يجد أذناً صاغية من الدولة ولم يجد من يقدم له العون حاول ألا يسأل الناس، ولجأ في صمت إلى بيع شقته؛ حتى يتمكن من إنفاق ثمنها على علاجه.
إن مشكلة الصحة واحدة من الهموم التي أرهقت كل المواطنين، فإذا كان كبار المسؤولين لم يتمكنوا من توفير قيمة العلاج، فما بالك بالمواطن المسكين الذي أرهقته كل الفواتير. وإن العلاج عبر التأمين الصحي الذي يتحدث عنه والي ولاية الخرطوم الدكتور “عبد الرحمن الخضر” لم تحل مشكلته لدى المواطن.. فحتى الذين انضموا إلى منظومة العلاج عبر التأمين الصحي، هناك كثير من الأدوية التي تكتب لهم لم يعثروا عليها عبر منافذ خدمات الصيدليات المتعاقد معها.. فإذا ذهب المواطن أو المريض مقدماً الروشتة، وبها بعض الأدوية غالية الثمن يجد المريض اعتذاراً من جانب الصيدلاني، متعللاً بأن هذا الدواء غير متوفر، وإذا ذهب إلى صيدليات أخرى وجد ثمن الدواء آلاف مؤلفة، كيف تدعي الجهات المسؤولة بالتأمين الصحي أن الدواء عبر وحداتها المختلفة متوفر وهو غير متوفر، والمتوفر منه أصلاً زهيد الثمن؟!!.
كيف كانت المستشفيات تقدم خدماتها المجانية للمرضى دون أن تسأل المريض عن ثمن الشاش أو القطن أو الحقن الفارغة أو المليانة.. كيف كان الوضع في عموم مستشفياتنا، والمريض ينعم بالراحة إذا دخل المستشفى، أو دخل العملية، ما الذي تغير وتحول وتبدل ليجعل العلاج بالمستشفيات ضرباً من المستحيل، ويخشى الإنسان أن يصاب بمرض يضطره لدخول المستشفى، وهو لا يملك حق الدواء والعلاج.
إن حديث والي ولاية الخرطوم الدكتور “عبد الرحمن الخضر” عن كثرة الإنفاق على العلاج، وأنه يستقبل عشرات الفواتير شهرياً جلها تتطلب مال للعلاج، ينبغي أن ينظر السيد الوالي وحكومته في ثلاثة أشياء أرهقت المواطن، كيف يجد العلاج المجاني في كل المستشفيات؟، كيف يجد التلاميذ والطلاب تعليماً مجانياً بكل المراحل الدراسية؟، وكيف يجد الخريجون وظائف عقب تخرجهم؟!، هذه أهم ثلاثة أشياء يحتاجها المواطن.