هل تتراجع الحكومة ؟
لم تكن هي المطالبة الأولى بإعادة الزمن أو الساعة إلى وضعها القديم، فقد سبق أن طالبت جهات عديدة الحكومة بإرجاع الساعة التي تقدمت ساعة إلى الأمام، بسبب الأضرار التي لحقت بالمواطنين من تلك الزيادة، ولكن الحكومة لم تكترث إلى تلك المطالبات، وكأنما لسان حالها يقول: “هي لعبة قدموا الزمن ساعة، وتاني يجوا يغيروه”.. ومن هذا المنطلق لم تستجب الحكومة لذلك، أما الآن فقد جاءت الدعوة من الاجتماع المشترك لقطاعات مجلس الوزراء تقدموا بتوصية لإعادة النظر في الساعة القديمة وإعادة الوضع لما كان عليه قبل سبعة عشر عاماً من التغيير، فالوضع الآن اختلف عن السابق، ولكن ماهو السبب الأساسي الذي جعل “عصام صديق” أو أحد النافذين باتخاذ القرار وتقديم الساعة؟ لو كانت النظرة إلى زيادة الإنتاج، فنحن في السودان ما في زيادة أصلا في الإنتاج بالدولة، ولو كان على المزارعين فهؤلاء أصلا بيذهبوا إلى عملهم مبكراً، فبعد صلاة الصبح المزارع بيذهب إلى حواشته، ولمن تجي الساعة (اتناشر) بعودوا إلى منازلهم، ثم يذهبوا مرة أخرى ويعودوا قبل صلاة المغرب، أي أنهم يطبقون بكور “عصام صديق” قبل أن يتخذ هو القرار أو أي شخص آخر، وما محتاجين إلى جر ساعة أو تأخيرها.. أما سكان المدن فلا يمكن أن يطبق فيها، فالموظفون إذا اردنا أن يعملوا دوامين أو بطريقة البكور، أي أن يذهبوا بعد صلاة الفجر وينتهي الدوام عند الثانية عشرة ظهرا، ثم يعودوا إلى عملهم مرة أخرى عند الرابعة ليعودوا منه في الثامنة مساءً، فلا يمكن لأننا محتاجون إلى كميات كبيرة من الوقود وإلى وسائل مواصلات كثيرة وإلى طرق خالية من الزحام، وكل هذا غير متوفر في بلد تعاني من البنية التحتية، وليس لكل موظف سيارة خاصة كما هو الحال في دول الخليج، أو في أوربا، ولذلك كتب للبكور الفشل من بدايته.. وانتقد وسخر الناس من الذين فكروا فيه.. فنحن في السودان كل شخص عنت له مشكلة في رأسه يحاول أن يقنع بها الآخرين ويتبناه بصورة تدعو للشفقة، فالدراسات منعدمة والقرارات ارتجالية أو عشوائية والتخطيط ضعيف والتنفيذ سريع دون أن تعرف العواقب ولذلك كل يوم يأتينا زول بقرار أو بفكرة يريد تنفيذها بسرعة.. فالبكور اتخذ قراره بسرعة وعندما بدأ النقد له، خرج الدكتور “عصام صديق” وزير الدولة الأسبق بوزارة الري، وصاحب الفكرة متبرئ منه، وقال أنا لم أطالب بجر الساعة، طيب منو الطالب بجرها ودخل البلاد في مشكلة عشرات السنين؟ ولماذا سكته طوال تلك الفترة، هناك كثير من القرارات الخاطئة التي اتخذت في لحظة نشوة تقريبا أو لحظة غضب، فالإنقاذ عندما جاءت لو اهتمت بالداخل وتركت الخارج، ما اظن كنا محتاجين الآن أن نستجدي أمريكا أو ننتظر منها رفع العقوبات التي اتخذت علينا ظلماً قبل عشرين سنة.. وما كنا في حاجة إلى رفع شعارات اضرت بنا أكثر من نفعها، وهي قرارات اتخذها أفراد لم يراعوا عواقبها، خاصة ونحن دولة وليدة كنا في أمس الحاجة إلى السند والعضد وليس العنتريات.. وها نحن الآن وبعد سبعة عشر عاماً من اتخاذ قرار زيادة الزمن ساعة، تقدم توصية بإعادة الوضع على ما كان عليه.. نحن محتاجون إلى اتخاذ قرارات شجاعة بعد دراسة مستوفية ومن الخبراء وليس من أصحاب العنتريات والأصوات الكبيرة فإعادة الزمن إلى وضعه القديم يتطلب إعادة قرارات أخرى فيها مصلحة الوطن والمواطن.