ولنا رأي

وفقدت مصر جوهرتها الرياضية!!

غيّب الموت المدرب المصري الكبير “محمود الجوهري”، أحد أشهر المدربين بمصر، الذي وصل بمنتخب مصر إلى نهائيات كأس العالم 1990م بإيطاليا، كما حقق العديد من الإنجازات الرياضية للأندية المصرية عندما كان مدرباً للنادي الأهلي ونادي الزمالك، وحقق مع الناديين انتصارات أضيفت إلى سجله الرياضي الناصع.
أذكر في عام 1990م، وعقب انتهاء كأس العالم الذي شاركت فيه مصر، حللت ضيفاً على مصر بعد سبع سنوات من التخرج لم تطأ فيها قدماي أرضها الطاهرة.. وكان ذلك العام هو أول عام أزور فيه مصر بعد تخرجي، الزيارة كانت أسرية ولكن في نفس الوقت حاولت أن تكون زيارة عمل، إذ كنت وقتها رئيساً لتحرير صحيفة الصقر الرياضية السودانية.. حاولت أن التقي كابتن “الجوهري” فذهبت إليه في نادي الجزيرة، لكني لم التقيه والتقيت بالمدرب “سمير عدلي” ولاعب السودان بالنادي الأهلي “شطة”، ثم كررت الزيارة مرة وأخرى وفشلت في لقائه بالنادي إلى أن حصلت قبل مغادرتي بيوم على رقم هاتفه، وفي تلك الأمسية قمت بالاتصال وكنت محظوظاً إذ جاء الرد من جانبه، فقدمت له التحية وعرفته بنفسي وكيف فشلت في الاتصال به بنادي الجزيرة، وطلبت منه إجراء الحوار الرياضي عبر التلفون لأن مقر سكنه يبعد عن المكان الذي أقطن فيه، إذ كنت أسكن بالدقي. لم يتردد وقال لي أسأل، واستأذنت صاحب مكتب عقارات كان أسفل العمارة التي كنت أُقيم بها لاستعمال التلفون، وتردد بادئ الأمر لكنه أخيراً استجاب.
أدرت الحوار مع “الجوهري” حول أسباب إخفاق المنتخب المصري في الوصول إلى أدوار متقدمة في البطولة، وما سر الهجمة الصحفية عليه.. كان “الجوهري” رائعاً في إجاباته، لم ينفعل ولم يحمّل الإخفاق في المباريات التي خاضها للاعبين.. تحدث الجوهري معي حديثاً طويلاً، كنت أسأل وهو يجيب بكل هدوء، لم أحس في نبرته حدة أو رفضاً للإجابة عن أي سؤال قمت بطرحه عليه، كان في منتهى الأدب واللطف واللباقة والذوق.. تحدثت معه لما يقارب نصف الساعة، وعندما فرغت من الحوار وجدت نفسي محاطاً بكمية من المصريين لم يصدقوا أنني كنت أتحدث مع مدرب مصر الأول وقائد الفريق إلى كأس العالم.. وجدت كمية من علب السجائر تقدم إليّ وفناجين من القهوة والشاي والبارد.. هؤلاء هم المصريون، يعشقون الإبداع في كل شيء ويفتحون لك الباب للشهرة.. فكل الذين نالوا الشهرة، فنانين ولاعبي كرة قدم وأدباء وشعراء، احتضنتهم أم الدنيا، وقدمتهم للعالم ولبلادهم التي لم تهتم بهم، ووجدوا في مصر أرضاً خصبة لتقديم إبداعهم الفني والرياضي، فانطلقوا منها إلى عالم النجومية والشهرة.
“وردة الجزائرية” و”فهد بلان” و”فيروز” وحتى “ستونة” السودانية التي لم تعجب أحداً في السودان وجدت طريقها للشهرة من مصر، وأصبحت أشهر مغنية سودانية، وكذلك جواهر السودانية التي تعدّت شهرتها مصر إلى دول الخليج وتلقت الكثير من الطلبات للغناء بأبي ظبي ودبي وغيرهما، فيما لم تجد في وطنها السودان من يهتم بها أو يأخذ بيدها لطريق الغناء والشهرة.
لقد كان “الجوهري” عملاقاً في كرة القدم، وكان بارعاً في مجاله حتى تعدى أرض مصر إلى الأردن التي حقق مع منتخباتها الرياضية العديد من الإنجازات.. نسأل المولى عزّ وجلّ أن يتغمده برحمته الواسعة، ونتقدم بعزائنا إلى أسرته الصغيرة، وإلى أسرته الكبيرة في مصر، شعباً وحكومة، ونسأله تعالى أن يسكنه فسيح جناته مع الخالدين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية