(اشتري وخزِّن) !!
إبان الحكم المايوي كان هناك مسلسل انصبت فكرته على التخزين، فأي تاجر ما عليه إلا أن يشتري أي صنف من البضائع ويقوم بتخزينها، وبذلك يتم تجفيف السوق من البضاعة ومن ثم تعرض من جديد بأسعار خرافية، واستمرت عملية التخزين لكل أنواع السلع ..وغنى من غنى في ظل غياب الدولة ..الآن عادت إلى الأسواق نفس الفكرة السابقة، وظلت الأسعار في حالة تصاعد يومياً والكل يعزو تلك الزيادات إلى ارتفاع سعر الدولار، والدولار لا حول له ولا قوة، فالجشعون هم الذين يضاربون في الأسعار وأصبح الكل يخزِّن في الدولار، ريثما يرتفع سعره في انتظار قرارات الولايات المتحدة الأمريكية، أن كانت قراراتها سالبة، هنا يكون أولئك ضربوا ضربتهم، بل يستمروا في الزيادات، وأن جاءت القرارات إيجابية وقامت أمريكا برفع العقوبات وانخفض الدولار يكون المضاربون شربوا (مويه)، ولذلك فإن تصاعد الأسعار أن كان في أسعار الدولار أو أسعار المعيشة، فهذه مشكلة الدولة التي تركت الحبل على الغارب لهؤلاء.. فالدولة لم تفعِّل قوانينها لضبط الانفلات الحالي، فكل صاحب سلعة أصبح يبيع على كيفه، والدولة تشاهد وترى الذي يجري الآن، ولذلك ارتفع الدولار ولا حد بيسأل الذين يقفون في السوق العربي يصيحون بأعلى صوت دولار، ريال، والشرطة لم تتدخل، والأمن الاقتصادي حاضر ولا يسأل.. والدولة تقول معيشة الناس هي الأولوية ولا تسأل أولئك المضاربين في قوت الشعب، كل يوم يزيدون الأسعار بطرقهم الخاصة ..فإن كانت الدولة مهتمة بمعيشة المواطنين لألقت القبض على أولئك المضاربين أولاً في العملة وقدمت أحدهم كبش فداء لتلك المضاربات أو الأسعار الأخرى، فعلى الوزارة أن تضع ديباجات على الأسعار فكل من يخالف التسعيرة يقدم إلى محاكمات فورية.. فالتهريب إلى دول الجوار، أيضاً، واحد من أسباب ارتفاع الأسعار بالداخل، فالمهربون هم من أسباب هذا الغلاء الذي نعيشه فلا يعقل أن يصل سعر الطماطم في بلد زراعي إلى أكثر من ثلاثين ألف جنيه.. وكذا الحال بالنسبة إلى كل أصناف الخضار التي تروى من ماء النيل أو من الآبار، فلم نستورد ماءً من الخارج لري زراعتنا، ولم نستورد عشباً، أيضاً، من الخارج لإطعام مواشينا، فالعلة في الإنسان السوداني الذي يريد أن يصبح بين يوم وليلة من أغنى الناس راكب “برادو” وعامل قصر ومتزوِّج أكثر من زوجة، فهؤلاء الذين نعدهم من أصحاب المهن الهامشية، إما بقية المواطنين بما فيهم الأطباء والمهندسين وغيرهم ممن أفنى عمره في الإطلاع والبحث، فما زال يعيش حياة الكفاف والدولة تحمي أولئك وتتركهم يعيشون فساداً في الأرض لا وازع ديني ولا ضمير يحرِّكهم تجاه الوطن ومصالحه..فتجدهم يحلفون بالله كذباً وتتعجب حينما تراهم في المساجد، يصلَّون أو في أماكن عملهم، كيف بشخص يحلف كذباً ويريد المولى أن يتقبَّل صلاته وصيامه، وهو كاذب.
إن الدولة أن أرادت أن تجعل الحياة مستقرة فعليها تفعيل القوانين لردع المخالفين، وإلا سيستمر الحال حتى ولو انتهت الفترة التي حددتها الولايات المتحدة الأمريكية لرفع العقوبات عنا، فالدولة شريك في رفع سعر الدولار وشريك في زيادة الأسعار وفي انفلات السوق، ولا نلوم أحد طالما الدولة غاضة الطرف عن المتسببين في تلك الفوضى.
فالأب الذي لا يضبط بيته فلابد أن يحصل انفلاتاً بداخله، والدولة التي لا تضبط المجتمع فلابد أن يحدث فيه انفلاتاً في كل شيء.