وسقطت مني دمعة…!!
عندما بلغني صباحاً أنني ضمن الذين سيتم تكريمهم في جوائز التفوق الصحفي لأول مرة أحس بالفرح لحظتها، ليس لأنني أول مرة أحصل على مثل هذه الجائزة ولكن دائماً الفرح عندي لا يكتمل، فتذكرت والدتي التي دائماً تقف إلى جواري وكيف هي سعيدة ستكون هذا اليوم، وكذلك والدي الذي أعانني وكذلك شقيقي الأكبر الذي كنت اعتبره بمثابة أبي أكثر من أخي، لأنه كان يعمل إلى جوار أبي بالتجارة في دكان واحد. وعندما لا يلبي أبي طلباً لي كان هو من يقوم بتلبية طلباتي حتى دراستي في القاهرة كان هو الممول الأكبر لها، وكذلك عندما ذهبت أول مرة للعمرة وأنا طالب كان هو الدافع لي، ولما قررت السفر إلى المملكة العربية السعودية عام 1990 كان هو إلى جواري.
مرَّ هذا الشريط من الذكريات فسقطت مني دمعة حرية وظللت أتذكر كثيراً من التفاصيل حتى تذكرت الوالد كيف كان فرحاً وأشبه بالطفل، عندما نهض من السرير عند إذاعة اسم شقيقتي كأول اسم يذاع لدخول جامعة أم درمان الإسلامية التي قدمتها كرغبة أولى ضمن الكليات الراغبة في دخولها.
والفرح عندي حسب ما ذكرت كان دائماً نتائجه عكس ما أشتهي، ففي المرحلة الثانوية كنت أول الدفعة وكلما دخلت المدرسة أجد الثناء من أحد الأساتذة وتتقدمه كلمة جامعة الخرطوم كلية الآداب، ولكن لم تتحقق تلك الرغبة فذهبت إلى مصر وعندما تخرجت بدأ شقيقي الأكبر الراحل “صديق حبيب” في بدء مراسيم احتفال دعا له الأصدقاء والأهل والأصحاب. لم أشعر بالسعادة رغم الترتيبات والخراف التي تم تحضيرها فسألتني شقيقتي أنت مالك لم تعزم زملاءك وأصحابك فكنت أحس بإحباط شديد، وفي اليوم الثاني والناس بدأت ترد إلى البيت جاء أحد أقربائي وهو يبكي بصوت عالٍ يعلن عن وفاة ابن خالتنا الذي كان يسكن معنا لفترة طويلة من الزمن، فذهب لأول مرة إلى أهله وتوفي فجأة وحملنا كل الأكل إلى منزل الوفاة.
ومنذ ذلك الزمن ظللت أكتم الفرح في دواخلي حتى فرحي لم يصل الفنان حتى حان زمن انتهاء الحفلات. وفي قطر عندما بدأت إجراءات تعييني في إحدى الصحف القطرية انهارت فجأة بمؤامرات من بعض الجنسيات العربية، وكل الحفلات التي تم تكريمي فيها من قبل مجلس الصحافة والمطبوعات كنت أذهب لوحدي. وأذكر في العام 2002 عندما جرى الاحتفال بتكريمي بجائزة ذاك العام من قبل مجلس الصحافة، جاء واحد من نسابتنا ووجدني وحيداً فتعجب وقال لي أنا كنت متوقعاً أن يكون أولادك وبقية النسابة موجودين معاك هنا ألقاك لوحدك، ولكن جائزة الدكتور “هاشم الجاز” للتميز الصحفي التي حصلت عليها لأول مرة حسستني بالسعادة وإن كانت أيضاً مكتومة، لم يكن أولادي معي بالبيت وقتها فاتصلت عليهم وأطلعتهم بالخبر ونشرت الخبر في قروب العائلة كما اتصلت بشقيقتي، ولكن كان الأمر بالنسبة لي عادياً جداً، فبقيت تلك الدمعات والذكريات لمن هم كانوا الأقرب إلي منذ ميلادي وحتى وفاتهم، فلم تحرك في دواخلي الجوائز ولا أي شيء، فالدنيا عندي لا تسوى كل هذه الضجة ولا الزحمة وأشعر دائماً بالسعادة بطريقتي الخاصة، فأغنية من “أحمد المصطفى” أو “عثمان حسين” أو “عثمان الشفيع” قد تبعث الفرح في دواخلي، فكنت أمني النفس لو عاش أبي وأمي وشقيقي إلى هذا الوقت، لأسعدهم بما حققته من نجاح قليل في هذه الدنيا.