ما بين مارس وديسمبر !!
ارتبط شهر مارس عند السودانيين بالكوارث وهو ما شهدته ساحة المولد النبوي الشريف في ما مضى من أحداث بين الأنصار والشرطة وقتها، ومات عدد كبير من الأنصار والشرطة. ونتيجة لتلك الأحداث أطلق على شهر مارس شهر الكوارث، وربما أحداث كثيرة وقعت في هذا الشهر. أما إذا نظرنا إلى شهر ديسمبر وهو نهاية عام نجد أن هذا الشهر يحظى بأحداث إيجابية أو أيام طيبة عند السودانيين، فأولها شهر مولد المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وهي من الأيام الطيبة والتي يحتفل فيها معظم السودانيين بتلك الذكرى العطرة، وهاهي قد انتهت ذكراه أمس الأول وسهر الناس على المديح والذكر واشترى الأطفال العرائس والحلوى.
وتتجدد في هذا الشهر الكريم أعياد الميلاد والكريسماس ويحتفل الإخوة المسيحيون بميلاد المسيح ومن ثم يأتي الاحتفال بنهاية السنة أو كما يطلق عليها رأس السنة، ويحتفل الناس داخل السودان وخارجه بهذا اليوم الذي يودعون فيه عاماً مضى بكل ما فيه من ذكريات طيبة أو حزينة على الأفراد أو على الوطن. ونجد في هذا اليوم استعداد البعض والترتيب مع الأهل والأصحاب والأقران لتجديد الدماء ووداع العام الماضي في لهو برئ في الغالب، إن كان الاحتفال في الصالات المكشوفة أو في تجمعات مع الأسر أو الأصدقاء، فيفرح الكل ويحاول أن يستقبل العام الجديد بتفاؤل وأمل. لقد شهدت احتفال رأس السنة ونحن طلبة بمدينة الإسكندرية وفي هذه المدينة الهادئة والوديعة درج الناس فيها في وداع العام أن يقذفوا بالأشياء القديمة من أعلى البنايات، ولما لم يكن للطلبة حق في قذف الكراسي القديمة أو أي شيء بالشقة وهو حق لا يملكونه يحالون أن يقذفوا بكبابي الشاي تفاؤلاً بالعام الجديد. أما الذكرى الطيبة وهي عام جديد يحل على البلاد باستقلاله من قبضة المستعمر الذي جثم على صدر هذه الأمة سنين عدداً أذاق فيها البلاد والعباد المرارات، حتى تخلصوا من قبضته في تلاحم وتنسيق كامل من أبنائه بالحروب الداخلية مع المستعمر في مناطق متعددة، أذاقوا أيضاً فيها هذا الغاشم اللئيم كؤوساً من الجراحات والآلام حتى تحقق النصر وكسر الشعب القيد وانفك من عبودية المستعمر في بطولات سجلها له التاريخ.
ولكن ماذا فعل أبناء هذا الشعب بعد أن دحروا المستعمر من بلادهم، لماذا المؤامرات والدسائس بين بعضهم البعض، لماذا لم يكملوا مشوار الانعتاق الكامل، لماذا لم تمتد الأيدي بيضاء إلى بعضها البعض كما عملوا سوياً في إخراج المستعمر من البلاد، لماذا تكون الذكرى السنوية دائماً لاجترار الماضي وسماع الحديث الطيب عن أولئك الرجال الذين صنعوا لنا تاريخاً مجيداً، لماذا لا نكون مثل أولئك الرجال الذين عملوا على المحافظة على الوطن. نأمل ونحن نقترب من الذكرى الحادية والستين من استقلال البلاد أن نحاول الحفاظ عليه والسعي بشتى الطرق للبناء والإعمار بدلاً من التمزق والفرقة والشتات، ولينظر الكل لما يجري من حولنا من دول كانت آمنة ومستقرة، الآن شعبها يتسول في الطرقات ويعاني من التمزق الذي أصابه، فإن لم نتماسك بالتأكيد سيصير حالنا أسوأ من تلك الشعوب.