الصحافة مهنة تعطي ولا تأخذ!!
الأخوان الزميلان “إسماعيل آدم” بالجزيرة نت، و”جمال عبد القادر” الصحفي الذي هجر المهنة وأصبح أفندياً بديوان الحكم الاتحادي في إحدى أيام (السودان الحديث)، قابل الأستاذ “جمال عبد القادر” أحد قدامى الصحفيين يتوكأ على عصاه ولم يستطع المشي، وربما أصيب بضعف النظر لأنه لم يميز الأشياء، فجاء “جمال” إلى الأخ “إسماعيل آدم” مسرعاً فطلب منه أن يأتي فوراً إلى فناء الصحيفة، فحينما خرج معه وأشار له إلى الصحفي الكبير المتوكئ على العصا، وقال له يا “إسماعيل” سيكون مصيرك يوماً ما مثل هذا الصحفي العجوز الذي لا يعرفه الناس ولم يجد المساعدة حتى من زملائه.
إن مهنة الصحافة واحدة من المهن الراقية التي يفني الصحفي فيها جل عمره فيقدم كل شيء للناس والمجتمع والوطن، ولكن في النهاية لا يجني منها إلا كثرة الأمراض الضغط والسكري، آلام المفاصل والركب، ضعف النظر وكثيراً من الأمراض التي تصيب الصحفي وربما الزهايمر أيضاً.. إن تلك المهنة رغم سموها وعلو قامتها، ولكن حينما يغيب أو يأفل نجم هذا الصحفي لا يجد من يطعمه أو يقدم له خدمة، كما كان يقدمها للآخرين، حتى الدولة التي ضحى بكل ما يملك من صحة وعلم لا يجدها.
فكم من صحفي كان ملء السمع والبصر الآن لا أحد يسأل عنه ولا يتفقد حاله ولا أحواله. في إحدى المرات بـ(السودان الحديث) الموءودة كان الأستاذ الكبير “محمود إدريس” وقد بلغ من العمر عتياً لم أصدق أن هذا الصحفي الكبير وصل به الحال كما هو، ولا أريد أن أفصل ما كان عليه فلا الدولة سألت عنه ولا زملاء المهنة، حتى مات ولا أظن أن أحداً من الصحفيين سار في جنازته أو ذهب مسؤول إلى منزله لرفع الفاتحة على روحه وعلى ما قدمه لهذا الوطن.
الآن هنالك أمثلة لكبار الصحفيين كانوا ملء السمع والبصر ولا تُعقد المؤتمرات إلا بحضورهم، وكانت صحفهم مزارات للمسؤولين الكبار في الدولة، أما الآن أصبحوا يعانون من شظف العيش ونسيان الأصحاب والأصدقاء. حدثني أحد الزملاء عن حالة الصحفي الكبير “إدريس حسن” رئيس تحرير صحيفة (الرأي العام) السابق ومؤسس صحيفة (الوحدة) ورئيس مجلس إدارتها وتحريرها، لقد قاسى ظلم ذوي القربى وساءت حالته المادية والصحية، وقد كان لوقت قريب معظم المسؤولين داخل صحيفته مدافعاً عنهم ومجرياً الأحاديث الصحفية معهم، ولكن أين هو الآن وماذا يفعل، هل من كانوا يدعونه للمؤتمرات الصحفية والتنوير يتذكرونه الآن، وماذا يفعل كثير من الصحفيين طالهم النسيان، أين الأستاذ “محجوب محمد صالح” الصحفي الرقم رئيس تحرير (الأيام) التي كانت تطبع في يوم من الأيام أكثر من مائة ألف نسخة فكم تطبع (الأيام) اليوم؟ وما هو حال الأستاذ “محجوب” في ظل الظروف الحالية وارتفاع مدخلات الطبع وهل من جهة تساعده، وأين “طلحة الشفيع” (اتفرج يا سلام) و”عدلان يوسف” الذي أصبح غير قادر على المشي أو الشوف، كان هؤلاء نجوماً في المجتمع، ولكن حتى القراء نسوا تراويس أعمدتهم ومقالاتهم اليومية التي كانت تجد الإطراء.وما هو حال أسرة الراحل “رحمي سليمان” و”يحيى عبد القادر” و”فضل بشير” وغيرهم من كبار الصحفيين.
الصحافة مهنة مقدسة، الصحفي يعطي طوال فترة عمله ولا يجني إلا سيء القول، مثلما نالت سهام الناشطة “تراجي مصطفى” الصحفيين واتهمتهم زوراً وكذباً، ومن صنع “تراجي” ألم يكن الصحفي الذي دبج المقالات والحوارات وأنشأ الخطوط العريضة لها وأفسح المجال لتقول ما تقول، حتى تكون اسماً في عالم السياسة السودانية.. أنقذوا كبار الصحفيين حتى لا تكون هذه المهنة طاردة للأجيال القادمة.