ورحل ابن إدريس فمن يعبر بدربه!!
كثيراً ما تُربط كتابات الإطراء والثناء والإشادة بالأشخاص بأن وراءها هدف أو غرض أو مصلحة، ولكن أين توضع الكتابات عن الأموات؟ أين تكون مصلحة الإنسان حينما يكتب عن شخص توفاه الله؟ أين تكمن المصلحة عندما تكتب عن شخص ترك الدنيا، وبكل ما فيها من متع الحياة ولذتها وصخبها وضجيجها، لا يحس الإنسان بعدم فائدة هذه الحياة إلا عندما تفتقد عزيزاً لديك، ولا تحس بأن الدنيا لا تسوى شيئاً إلا عندما تفارق شخصاً كان بينك وبينه ود وعطف وحنان ومودة، ولا تحس بأن الدنيا ليس لها طعم ومذاق إلا عندما يقال لك فلان توفاه الله، وفلان هذا كان بينك، وبينه مؤانسة وملاحظة ومحبة وعشق.
بالأمس افتقدنا أخاً عزيزاً صاحب مروة ومحبة، تعرفتُ عليه في العام 2000م، عندما جاءتني زيارة من دولة قطر لتغطية فعاليات المؤتمر الإسلامي، عرفتني زوجتي وأهلها بابنة خالتهم بدرية عبد الله التهامي، وزوجها حسن أحمد بن إدريس، الذي يعمل مستشاراً اقتصادياً لأمير قطر، لم تجمعني الصدف بهذا الرجل وزوجته رغم المعرفة الطويلة بزوجتي وأهلها وهي شقيقتهم بحق وحقيقة، عندما نزلت بفندق رمادا بالدوحة أول ما التقيت، التقيتُ بالأستاذ حسن بن إدريس، وزوجته بدرية، جاءوني إلى الفندق وكان بيني وبينهم معرفة منذ عشرات السنين، أصروا على الخروج من الفندق والذهاب معهم إلى المنزل، ونظراً لطلبهم وإلحاحهم الشديد استجبت لذلك، دخلت المنزل وجلست بالصالون أو (الهول)، جاءتني الشغالة وهي تقول لي (بابا)، لقد تم تجهيز غرفتك، ذهبت إلى الغرفة، وهي لا تقل عن غرفة فنادق خمس نجوم، أو الغرفة التي خصصتها لي إدارة مراسم دولة قطر، ضمن الوفد المستضاف لتغطية فعاليات المؤتمر الإسلامي.
لقد رحل الأستاذ حسن بن إدريس، أمس الأول عن هذه الدنيا الفانية، وهو بكامل صحته وعافيته، لم يُعانِ من أمراض خطيرة، ولكنه رحل فجأة، وهو سليم العقل والبدن والصحة، لقد كانت زوجته بدرية، وهي بمثابة الأم والأخت والزوجة، وكل الأسرة كانت تخاف عليه من النسمة، كانت لا ترد له طلباً، تقدم له دواء السكري في المواعيد، تقدم له كل الوجبات في مواعيدها، زرتهم عدة مرات، وفي دعوة مؤتمرات متعددة أقيمت بقطر، كان آخرها المؤتمر الذي أقيم لدارفور، ووقعت خلاله وثيقة دارفور، لم أشعر بأن هناك زوجين في هذه الدنيا يعيشان بهذا المستوى من العلاقة والحب والعطف والمحبة، قبل يوم من وفاته أمس الأول، كانوا يتحدثون معي لأكثر من ربع ساعة في قضايا مختلفة، كانوا يريدونني أن آتي لقطر، بأي طريقة، وفي نفس الليلة سألني ابني الذي أسميته تيمنا به، فجأة قال لي ناس خالتوا بدرية، قالوا جايين، قلت ليه جايين وين؟، قال لي ودائماً عنده قسم يقول أقسم بالله العظيم جايين السودان. قلت ليه ناس بدرية بحبوا السودان بأهله، ولكن ما أظن حيجوا، وأصر أن اتصل عليهم وأخيراً أقنعته فنام، وفي ظهر الثلاثاء اتصلت علي شقيقة زوجتي، وقالت لي خبر سيء لقد توفي حسن ابن إدريس، لم أصدق وإن كان الموت حق، ولكن لم نسمع بمرض خطير أو دخول المستشفى، ولكن هذه إرادة المولى، يختار دائماً الصالحين والخيرين، فنسأل الله أن يتغمده برحمته الواسعة وأن يلهم آله وذويه الصبر الجميل وأن يصبر زوجته المكلومة بدرية التهامي، على هذا الفارق الصعب، إنا لله وإنا إليه راجعون.