الحكومة في شنو ومعتمد شرق النيل في شنو؟!
بينما الدولة في حالة أزمة اقتصادية تحاول معالجتها برفع الدعم عن المحروقات وتخفيض دولابها بتشكيل حكومة رشيقة تتماشى مع الواقع.. والوزراء في حالة من الخوف في انتظار التعبير، والشارع في حالة هيجان؛ بسبب الزيادة الأخيرة التي رفعت أسعار تذكرة المواصلات داخل الولاية، فإذا بمعتمد شرق النيل يحتفل نهاية الأسبوع الماضي بافتتاح إستاد للمصارعة بلغت تكلفته ملياراً وأربعمائة مليون جنيه، تخيلوا إستاداً للضرب وكسر العظم للمتصارعين بسوق ستة الحاج يوسف!!..
عندنا المثل السوداني يقول: (الشبع بيعمل بعبعة)، بمعنى أن الإنسان بعد أن تمتلئ بطنه، بما لذّ وطاب من أصناف الطعام المختلفة، يبدأ في الشجار والضرب، فهل امتلأت البطون تماماً لنعمل إستاداً يتشاجر ويتصارع فيه أولئك مفتولو العضلات.. في القانون إذا تشاجر شخصان، فضرب أحدهما الآخر، يقدمان للمحاكمة. والمحكمة هنا تفصل بينهما، إما بالغرامة وإما بالسجن.. فكيف يستقيم هذا الوضع لدولة منهكة واقتصادها عاجز؟، وفي ظروف سياسية بالغة التعقيد، نحتفل بهذا الإستاد لممارسة العنف ضد بعضنا.. أين مولانا عضو البرلمان المحترم مولانا “دفع الله حسب الرسول” الذي ظلّ يتصدّى، ويثير قضايا شغل بها الرأي العام كقضية الواقي والرياضة النسوية؟!، ألم تكن رياضة العنف أيضاً من القضايا التي يجب أن تُقدّم بها مسألة مستعجلة يا مولانا ومناقشتها بنوع من الجدية والحسم؟!!، فكيف تضيع الدولة أموالاَ طائلة في مثل هذه الرياضة؟ وماذا ستجني منها إذا تصارع كوكو وآدم وهزم كوكو آدم وسط صيحات آلاف المتفرجين بسوق ستة؟! وهل الدولة تستطيع أن تخرج لنا مصارعين أمثال “جون سينا” الذي شغف الشباب والعجائز والأطفال، وأصبح معشوق الجماهير؛ لعنفه، وضربه لخصمه، وإصابته لهذا الخصم بأشكال متعددة من العنف.
إن معتمد شرق النيل يبدو أنه ليس له مستشارون يحددون له أولويات العمل في منطقته، مواطن الحاج يوسف مغلوب على أمره، في حاجة إلى مواصلات تقله من منطقة سكنه إلى مكان عمله أو إلى الأسواق وهو مرتاح.. مواطن الحاج يوسف في حاجة إلى مياه عذبة، وفي حاجة إلى استقرار تام في الكهرباء، وفي حاجة إلى إصلاح مدارسه المهدمة، وفي حاجة إلى معالجة شبكات الصرف الصحي التي تطفح كل فترة، وبعد أن يشبع المواطن ويعيش حالة من الدعة والراحة، من بعد ذلك يمكن أن نعمل له إستاداً وليس للمصارعة وإنما إستادات للسلة والطائرة والهوكي، ولكل أنواع الرياضة التي يحبها هذا المواطن، ولكن أن تصرف المحلية هذا المبلغ الكبير في تلك الظروف التي تعاني فيها وزارة المالية والدولة من أزمة اقتصادية، يحاول الأستاذ “علي محمود” وزير المالية بشتى الطرق إيجاد البدائل لاستقامة ميزانيته.
إن معتمد شرق النيل لم يختر الوقت المناسب لافتتاح إستاد مصارعته الباهظ التكاليف، فكان عليه أن يستشير معاونيه حول هذا الظرف إن كان مناسباً للافتتاح أم لا، كثير من الأسر تلغي احتفالاتها التي ظلت تعمل لها لزواج البنت أو الولد أو أي شخص عزيز من الأسرة، يلغى هذا العرس عندما يموت لها شخص عزيز.. فنحن الآن أشبه بذلك، فالدولة مأزومة، والمعارضة ضد الحكومة، والشارع في حالة ثورة ومظاهرات بمناطق متعددة والوالي ومعتمد شرق النيل يفرحان بالمصارعة والمصارعين، طيب ما تخلو المتظاهرين يتظاهروا طالما الدولة تعترف بممارسة العنف، وتعمل ليه إستاد؟!!
نحن حتى الآن، لم نحدد أولوياتنا، وما زلنا نهتم بالقشور والمناظر الخداعة، أما ما ينفع الناس، فهذا في آخر الأولويات وللا شنو يا معتمد شرق النيل؟!!..