لماذا تجبّر فرعون؟!
واحد من رؤساء الدول الذي جاء من قاع المدينة بعد معاناة شديدة، ظل يتنقل من مهنة وضيعة إلى أخرى، وقاسى من الحرمان وضنك المعيشة، لكن كل هذا لم يمنعه أن يصل إلى السلطة في إحدى الدول الفقيرة.. هذا الرئيس خلال فترة رئاسته الممتدة إلى ثماني سنوات أحدث تحولاً كبيراً في الدولة، ونهض بها حتى كادت أن تصل إلى مصاف الدول المتقدمة.
السيد الرئيس لم يمنعه شيء طوال فترة حكمه من الوقوف إلى جانب الفقراء والبسطاء والمساكين في بلاده.. لم يترفع عنهم بعد أن اعتلى السلطة كما يفعل الكثيرون مستجدو النعمة.. لم يقل (ما لي ومال البسطاء والفقراء).. لم يقل ودعت الفقر وعشت عيشة الأباطرة والزعماء.. لقد وقف إلى جانبهم وظل يعمل من أجلهم حتى تحسنت ظروفهم.. وفي خطاب وداعه أو انتهاء فترة رئاسته بكى بكاء مراً، بكى كأن لم يبك من قبل.. لم تبكه مفارقة الجاه والسلطان والصولجان والنعمة والهناء الذي كان يعيش فيه، لكن الذي يبكيه أنه قدم لشعبه ما لم يقدمه الذين اعتلوا السلطة من قبل. وقد حاول فقراء الدولة إثناءه عن موقفه، وطلبوا منه أن يتراجع ويظل في الحكم لفترة ثالثة، لكنه رفض، وقال: (لقد رفضت للآخرين فكيف أرضى لنفسي؟)، ونزل عن المنصة وودع شعبه باكياً.
ما قام به هذا الرئيس يعد درساً للذين يحاولون التشبث بالحكم لأطول فترة.. فما زال الساسة عندنا يحاولون التمسك بالحكم، وإن لم يقدموا لهذا الشعب الصابر المسكين شيئاً.. إن الاستمرار في الحكم طويلاً يجعل من المرء دكتاتوراً ولن يقبل من بعد تلك الفترة نصيحة الآخرين، بل سيظل يصدر قراراته وحده، ولا يستشير أحداً في ذلك.
الرئاسة ليست مربوطة بالحكم فقط، ففي أية وظيفة يظل المرء فيها طويلاً سيصاب بالغرور، ومن بعد ذلك بالجبروت والطغيان، كما فعل “فرعون” الذي تجبر وقال أنا ربكم الأعلى.. لم يسمع نصيحة أي شخص إلى أن امتحنه المولى، وبعد أن أغرقه نجاه ببدنه ليكون عظة وعبرة للآخرين، ولكن هل يتعظ الناس؟؟ لا أعتقد.. فساستنا الذين تجاوزوا الثمانين من العمر وما زالوا يتشبثون بالحكم وصغار الموظفين يصابون بالغرور ويسرقون أموال الشعب بعد أن طال أمدهم في الوظيفة وأصبح المال بالنسبة لهم كل شيء.. فهل نتوقع أن يصدر قرار بأن يكون الحكم لفترتين فقط؟ وأن لا يتعدى الوزير في منصبه أكثر من دورة أو دورتين؟؟ إذا فعلنا ذلك فسنجنب البلاد والعباد الفساد والطغيان.