من وحي الأخبار

أين الحقيقة؟!

أتسقط منذ مدة أخبار وتداعيات الإجراء الذي تم بهيئة الجمارك وقضت بإعفاء المدير السابق ومدير مكتبه؛ وهما كما هو معلوم ضابطا شرطة؛ وحتى الآن حسب نصوص خطابات الإعفاء التي تسربت في الأسافير كصورة فإن الأمر لا يخرج عن معتاد تداول المناصب في المؤسسات النظامية، حيث يعفى شخص ويتقدم آخر مثل عموم المؤسسات وعموم الحياة فهذا شأنها وسنتها؛ إلى هنا يبدو الأمر طبيعياً لكن الإشكال تبدى لاحقاً في إضافات تضخمت تشير إلى أرقام وقصص ومرويات كلها حتى الآن عبارة عن إعلام شعبي مع دخول الصحافة على خط الحدث، فسربت صحيفة أرقاماً عالية الكلفة مع إشارة إلى وجود لجنة تحقيق والحكاية “جاطت”، ليتم تفسير وقراءة الأمر على نحو جديد.
بنظري كمراقب وصحافي، فالأمر إلى الآن (ونسة)، فالحديث حول تلك الأرقام المروعة يبدو غريباً أن يتم التعامل معه بفهم التسريبات فنحن إزاء واقعة ما إما أنها غير صحيحة، وأخلاقياً فإن المؤسسة التي يتبع لها أولئك الرجال ملزمة بقولٍ، لأن هذا يدرأ عنها شبهات الفساد لها ككيان ولأفرادها كأشخاص يحرسون بوابة مهمة من بوابات الاقتصاد الوطني، وإما منهم بالمقابل متجاوزون وهو ما يتطلب إجراءات معينة ومواجهة الرأي العام بالتفاصيل على قدر الحاجة المعينة على التنوير وضبط حجم القصة.
الأمر بشكله الحالي ضار ومضر، فهو يلوث سمعة أسر ويهدر كرامة الثقة في عموم صورة سلامة وصحة الأجواء الاقتصادية لا سيما أن الجمارك محطة مهمة ومعبر تتداخل فيه غالب واردات البلاد للأفراد والمؤسسات، فضلاً عن بروز معضلة أخرى تتعلق بالاستثمارات التي تبدو عالية الحساسية تجاه مثل هذه الأمور، وفوق هذا كله موضة (التفسيد) التي تنحرف مرات بالمسألة لتكون حرباً لا تمايز بين الحقيقي والمختلق وتتداخل مع أجندة أكثر من جهة، فيكون من يسحق آخر الأمر هو الوطن.
السكوت و(الطناش) حول القضية برمتها لن يجر الناس إلى الاجتهادات، وقد برزت قصص وأقوال حسب تأليف البعض من أن “فلاناً هدد” و”علاناً توعد”، وما أخصب بيئة الإضافات والاستزادة لتكون المحصلة النهائية عملاً يصلح لإنتاج هوليوودي.. وأخشى ما أخشاه بعد كل هذا أن ينتهي الوضع لمعالجة لا هي حفظت الحقيقة ولا هي أثبتت غيرها، فيخسر الجميع أفراداً ومؤسسات ووطناً يسجل يومياً إدانة لنفسه دون جهد لإبراء ذمته.

هذه شواغل لا يجب إهمالها أو الخجل منها إثباتاً أو نفياً، ففي الحالين يكون على الأقل هناك حيز للتصويب ثم الصلح والإصلاح، لكن تركها هكذا لا يورد إلا موارد التهلكة وعليه من الأسلم أن (ينطق) أحد.. وعاجلاً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية