من وحي الأخبار

صورة ذهنية

شهدت دارفور في العام الماضي؛ وفي بدايات هذا العام انتقالات كبيرة؛ تراجعت واقعياً على الأرض معدلات العنف؛ استقرت الأمور واستتب الأمن، إلا من طارئات بعضها يمكن تصنيفه في خانة المعتاد أو غير المستغرب في منطقة شهدت حالة احتقان وحرب واستقطابات اجتماعية وسياسية استمرت لأكثر من عشرة أعوام أو تزيد. وبالضرورة فإن الحديث عن تعافٍ مطلق أمر يحتاج إلى صبر واختبار وترقب، لكن المهم في الأمر أن دارفور على كل حال المؤكد فيها الآن أنها تتلمس وضعاً جديداً ليس من بين خياراته الحرب المطلقة؛ وتبدو فرص السلام هي الراجحة وهو الوضع الذي يقترب أصلاً من طبيعة التسامح في الإقليم والتي كأن ما يجري في ظلال الأزمة نقيضها تماماً؛ بدليل أنه وفي أرض الحدث ظلت الأنساق الاجتماعية وفرص التعايش قائمة بين كل المكونات، وإن تأثرت قليلاً لكنها لم تنهار عكس ما يحدث من الأطراف المتمردة التي شيدت مشروعها السياسي وخطابها على قوائم عنصرية وبيوتات عشائرية، جعلت الحركات الناشطة في المشكل في واقع الأمر واجهات بطلاء قبلي.
التطورات الايجابية على الأرض كان أهمها وأوضحها الانكسارات الكبيرة لكل حركات التمرد، حيث سحقت العدل والمساواة في قوز دنقو؛ وطمرت في الوادي العريض الممتد من الشرق للغرب بجنوب دارفور؛ وطالتها من تلك الخسارة فواتير باهظة إذ تقلص حتى حضورها الإعلامي وأهدرت كرامتها السياسية. وأما حركة المتمرد “مناوي” فإنها لم تكن أحسن حظاً فمن خور البعاشيم وما ورائه خسرت الحركة مواقعها وقادتها بقدر لم ينجٌ معه من صفها الأول إلا السياسيون المرافقون لرئيس الحركة في منافيه، وحتى هؤلاء لم يبق منهم أحد سوى (علي ترايو) الذي يكتب البيانات ويمثل الحركة في المفاوضات ويشرب باسمها البن في طرقات أديس أبابا وكمبالا.
الحركة الثالثة؛ حركة عبد الواحد نور لم تكن أصلاً يوماً مؤثرة وذات تهديد ميداني لأنها في الأساس مفصلة على مقاس شخص نزق في السلوك السياسي وبفكره وأفكاره رهق؛ ولأنها تقوم أصلاً على رئيس وشقيقه وصهر لهم كمكون تنظيمي، مع ثلة قادة وبعض عناصر محصورين في جبل مرة يقاتلون الخيالات والظنون وينتاشون بعض ثمار المانجو الوافرة بالمنطقة؛ لكنهم لم يكونوا إطلاقاً عنصراً في حسابات تكاليف المشكلة عسكرياً؛ لكن الحركة ولاعتبارات تتعلق بقاعدة التأسيس وظفت النازحين واللاجئين في المعسكرات والتي وبمرور الأيام والانفتاحات التي حدثت في هذه الدوائر، فقد فقدت أثرها وتأثيرها فلم تعد تملك سوى (كراكير) للقوة المحصورة في الجبل والتي تحاول الاستفادة والاستماتة عوناً بتضاريس الجبل المهيب أكثر من كونها مجيدة أو ذات قناعة بالثبات.
بالمقابل مضت الحكومة في تنشيط وترسيخ معالم الواقع الجديد؛ إعماراً في الإقليم؛ مد للطرق وتحسين الخدمات والبيئة الأمنية؛ وفتح مظلة خدمات لم يكن في السابق حضور لها مثل الرعاية الاجتماعية؛ وظهر ملمح يشي بالاستقرار في دارفور بعض أمثلته أنها الإقليم الذي له عدد مماثل أو مواز لتمثيل الخرطوم في الدوري الممتاز لكرة القدم، ولها (هلال ومريخ) أيضاً فوق هذا؛ وأما سياسياً فلدارفور الآن السهم الأوفر في تمثيل الحوار الوطني؛ تمثيلاً بقوى وحركات وتوصيات.
المشهد برمته والذي يتكامل الآن بإنفاذ الاستفتاء الإداري وفقاً لمقتضيات وثيقة الدوحة، يشير إلى تغيير كلي في الصورة  والتي واضح أنها بالخارج لا تزال قريبة من الصورة القديم، مما يستوجب استفهاماً واضحاً؛ هل هذا لأن أطرافاً أخرى لا تريد صورة مغايرة لصورة الموت والخراب، أم لأن الحكومة وإعلامها أدارا الأمر في حين الاستقرار بخطاب موجه للداخل لا خلاف معه حول حقيقة القضية، وليس للخارج الذي لم تصله التطورات الجديدة. ثمة خلل ما وثغرة يتسلل منها البعض؛ الحكومة أيام اشتداد الأزمة بالإقليم كانت مهتمة بمخاطبة الخارج وبعد أن سكنت الجراح أهملت ذلك في تقديري.
أخشى أن الأمر حقيقة يحتاج لجهد لإيضاح الواقع الجديد ؛ وبسرعة وعجل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية