الموت والحياة ليس بيد الأطباء فاتركوهم..!!
أصبح الاعتداء على الأطباء من الظواهر المتفشية هذه الأيام سواء أكان على مستوى ولاية الخرطوم أو ولايات السودان المختلفة.. فالأطباء ملائكة الرحمة وهم الذين أقسموا بقسم “أبو قراط” وهم يدركون أهمية هذا القسم في مهنتهم الإنسانية التي عاهدوا الله على أن يقوموا بواجبهم الإنساني تجاه أي مريض دون تحديد لونه أو جنسه أو قبيلته، فالضمير الإنساني هو الذي يحتم عليهم بث الطمأنينة وتقديم الخدمة العلاجية التي تعيد المرء إلى صحته وعافيته. صحيح ليس بيد هؤلاء الأطباء شيء يقدمونه إلا بما عرفوه وخبروه من دروسهم، ولكن الحياة والممات بيد الله سبحانه وتعالى، فلا يمكنهم أن يهبوا الحياة لمن أراد الله أن يأخذه إلى جواره ولا يمكنهم أن يميتوا شخصاً، كتب له الله الحياة، ولذلك فإن الاعتداء عليهم، من أي جهة أتى، هو أسلوب غير حضاري، فإذا مات طفل أو شيخ عجوز أو فتاة في مقبل عمرها، فليس الطبيب هو الذي أماتها، وإن عمل المستحيل لإنقاذ حياة شخص ما، وربنا- سبحانه وتعالى – قد كتب له الوفاة، فلن يحيا. لاحظنا أن كثيراً من ذوي المرضى يدخلون في معارك مع الأطباء خاصة إذا المريض قد توفاه الله في تلك اللحظة، فماذا يفعل هذا الطبيب؟ فهل يكتب له الحياة وربنا أراد له الممات؟
نتحدث كثيراً عن إهمال الأطباء والتشخيص الخاطئ، ولكن حتى ولو كان التشخيص صحيحاً وربنا أراد للشخص الوفاة فإنه سيموت، لذلك لا داعي للعراك مع ملائكة الرحمة، فهم وهبوا أنفسهم لمساعدة المرضى على الحياة، فلن يفعلوا أكثر مما يفعلونه.. فهناك كبار الأطباء يموت المرضى تحت أيديهم داخل حجر العمليات.. فهل هذا الطبيب الذي مرت عليه آلاف الحالات.. وأنقذ المرضى منها، هل يريد أن يقتل هذا ويحيي ذاك؟ لقد شاهدت امرأة تدخل العملية برجليها على كبير الجراحين، ولكن بعد خمس دقائق من بداية العملية فارقت المرأة الحياة، فهل هذا الطبيب يريد أن يقتل هذه المرأة؟ وهناك طفلة أدخلت أيضاً العملية، وهي تودع أهلها وما أن بدأ الطبيب العملية، حتى فارقت تلك الطفلة الحياة، فهل هذا الطبيب كان يعلم أنها سوف تموت في تلك اللحظة، ولو كانت الحياة بيديه لوهبها لها. وشاهدت عدداً من الأطباء لا يهدأ بالهم إلا أن يروا مرضاهم قد تعافوا، فتجدهم يزورونهم بعد العملية ليطمئنوا عليهم.. فنجاح العملية التي يجريها الطبيب لمرضاه بمثابة نجاح له أولاً قبل المريض، فالاعتداء عليهم، في أي مكان وأي زمان، هو أمر لا يليق بهم. لكن دعونا نتساءل، لماذا لا يرفع أولئك المتظلمون، أصواتهم – لا بنادقهم – في مواجهة الولاة والمعتمدين، وكبار المسؤولين، إن كانوا قصروا في توصيل خدمات المياه والكهرباء ونظافة البيئة ووقف عمليات السرقة والنهب في وضح النهار؟ إن الأطباء هم رحمة بالعباد فإن قصر أحدهم، فهذا لا يعني أن كل الأطباء سيئون أو لم يقوموا بواجبهم تجاه المرضى. وإن أخطأ بعضهم، بغير قصد، فإن بني آدم خطاءون.