المشهد السياسي
الحزب (الشيوعي) والخروج من تحت الأرض..!
موسى يعقوب
عرف الحزب (الشيوعي السوداني) البقاء تحت الأرض بشكل كامل أو جزئي أزمنة وأزمنة حتى صار ذلك البقاء نهجه وديدنه في ممارسة العمل السياسي.. فهو وإن عاش في عهد ديمقراطي دستوري كامل الدسم وكانت له فيه صحفه ودوره ومشاركاته البرلمانية وغيرها، آثر أن تعيش قياداته وكوادره في الخفاء – أي (تحت الأرض..!) فمن ترك عادته قلت سعادته..!
والذي يكون تحت الأرض أو في السر ليست القيادات والكوادر وحدها وإنما السياسات الحزبية أيضاً.. وإلا ما كان هناك ما يدعو السيد “سليمان حامد” عضو اللجنة المركزية في الحزب والكادر (الشرس)، أن يعلن عبر صحيفة (الرأي العام) السودانية (خروج الحزب من العمل السري أو تحت الأرض) إلى العلنية، مقللاً من تأثير السلطات على العمل العلني لحزبه، فالعمل العلني كما أورد “سليمان” ليس (هدية) من أحد..!
وما قاله عين الحقيقة.. ذلك أن الدستور والنظم القانونية والسياسية والتقاليد هي التي تحكم الحراك السياسي كما يحدث اليوم.. وهناك ما يعرف بقانون الأحزاب وهيئة شؤون الأحزاب.
العلة هنا في كل الأحوال في الحزب (الشيوعي) نفسه وفي كوادره وفي الثقافة التي ولد فيها وتربى ونشأ عليها.. بل وفي العاهات التي ألمت به وأضعفت بناءه الحزبي والفكري والسياسي.
وغير ذلك هناك المتغيرات العملية التي طرأت وتطرأ على خطط الحزب وسياساته، وهي متغيرات لها ما لها في أن يلتزم الحزب بسياسة العلن والخروج من تحت الأرض. بصراحة وعفوية وشجاعة كما صرح ونطق في الصحف السيد “سليمان حامد” الذي من المفترض والمتوقع ألا يطلق الكلام على عواهنه..!
الحزب ومنذ العودة من الخارج بعد اتفاق السلام الشامل الـCPA في 2005م كان يبني ويؤمل على الحركة الشعبية لتحرير السودان SPLM وعناصره الفاعلة فيها كالسيد “ياسر عرمان” الذي تربى فيه وليداً والذي كان وما يزال عنصر (العكننة) الأول للنظام الحاكم.
وبعد عام 2011م عندما صارت للحركة الشعبية دولة في جنوب السودان كان له يومئذٍ (تجمع أحزاب جوبا).. وما تفيضه الدولة الجديدة عليه من (نعم وخيرات) – إن جاز التعبير– وهي استضافة عناصر التمرد الدارفورية المسلحة وغيرها وبخاصة كيان المنطقتين العسكري والسياسي الذي على رأسه “عرمان” و”الحلو”.
ثم لاحت وظهرت في الأفق أمور جديدة داخلياً وخارجياً، ففي الداخل هناك تجمع السيد “فاروق أبو عيسى” المعروف بـ (قوى الإجماع الوطني) وفي الخارج جملة أشياء وكيانات منها:
_ إعلان باريس
_ ونداء السودان
الآن وبعد ما استجد من تطورات سياسية ودبلوماسية وأمنية محلية وإقليمية ودولية تحسب لصالح النظام، وحدث ما حدث لدولة الجنوب من عدم استقرار وأمن وقبول دولي، بات يلزم الحزب (الشيوعي) الذي يبحث البعض عن اسم جديد له في مؤتمره العام المقبل أن يستلهم درس الزعيم الروسي “غورباتشوف” المعروف في حينه بـ (البيريسترويكا) أو إعادة البناء والتفكير في إستراتيجية العمل السياسي، وهو يرى بأم عينه أن الدنيا تتغير.
الحزب (الشيوعي) وهو صامت في كثير من الأحيان كان يعمل من أجل إسقاط النظام وتفكيكه بالسياسة والقوة إن أمكن وبضغوط الحركات المتمردة ومنها (قطاع الشمال) برئاسة “عرمان”.
هذا كله – كما قلنا – وحسب المستجدات ومنها علاقة النظام الحاكم الجديدة مع الاتحاد الروسي وتباشير حواره مع القطب الأمريكي ومخرجات زيارة السيد “دونالد بوث” الأخيرة، أصبح بعيد المنال.. ومن ثم وبعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة وعملية التفكيك والتشرذم التي تجرى في كثير من الأحزاب، أصبحت (البيريسترويكا) أو إعادة البناء الشيوعية السودانية جرعة دواء وعلاج لا غنى عنها.
لذا فإن السيد والكادر الشيوعي ذا الخبرة “سليمان حامد”، ما كان له أن يدعو ويعلن عن (خروج الحزب من العمل السري أو تحت الأرض) أو إلى العلنية.. وذلك إن حدث بالفعل يعد تطوراً كبيراً في الحراك الحزبي (الشيوعي) الذي ولد وعاش تحت الأرض.. وبين يديه دوماً خطط سرية وصامتة يعمل لها ولو أودت بكوادره وقياداته كما حدث في انقلاب هاشم العطا في يوليو 1971م.
(البيريسترويكا) وإن سخر منها القادة السوفيت الكبار وقد التقوا في العالم الآخر وسأل “خروشوف” “ستالين” وآخر هل تركتم بناءً هناك؟ فقالوا: لا.. فقال لهم: ولا أنا.. فما الذي يعيدون بناءه هناك؟! كثيراً ما تكون ضرورة غير أنها لها مطلوباتها.