مايو اتولدت ذكراه الـ(46)!!
على الرغم من التقلبات التي حدثت للنظام المايوي الذي جاء على دبابة من خور عمر صبيحة الخامس والعشرين من مايو 1969م، إلا أنه ظل يحظى باهتمام كبير من قطاعات الشعب، فالنظام المايوي كان في بداياته مدعوماً من اليسار إلى أن انقلب النظام على اليسار وفعل فعلته فيه، فأعدم قياداته وشتت من بقي منهم.. فظل الرئيس الأسبق “جعفر نميري” يعتبر ثورة مايو جاءت للخلاص من الطائفية والحزبية البغيضة ولكنه واجه معارضة قاسية اتخذت من إثيوبيا وليبيا منصات للانطلاق للقضاء عليه، فقامت العديد من الحركات المسلحة داخل النظام ولم يكتب لها النجاح. وجاء ما يسمى بالغزو الليبي أو المرتزقة رغم أن كل القيادات كانت سودانية ولم تشارك في ذاك الغزو أي أيادٍ أجنبية، فكتب للنظام البقاء فظل النظام المايوي يقاوم ويقاوم إلى أن دخل في المصالحة الوطنية عام 1977م، والتي قادها الإمام “الصادق المهدي” بلقاء بينه والرئيس “جعفر نميري” بمدينة بور تسودان.. تطور اللقاء إلى أن أصبح لقاءً جامعاً لكل قيادات المعارضة بما فيهم الإسلاميون عدا الحزب الاتحادي بقيادة “الشريف حسين الهندي” الذي رفض الدخول مع النظام المايوي في أي اتفاق، وهذه أسرار لن يكشف عنها إلا السلطان “أحمد سعد عمر” الذي لازم المعارضين بالخارج، وكان قريباً من “الشريف حسين” ومازالت كل الأسرار بجعبة السلطان “أحمد سعد عمر” لا ندري إلى متى سيظل محتفظاً بتلك الأسرار.
بعد المصالحة الوطنية شم الرئيس “نميري” ونظامه قليلاً من العافية ودخل الإسلاميون بثقلهم في النظام، بينما خرج الإمام “الصادق المهدي” لقناعات يعرفها هو أو النظام لم يعمل بما تم الاتفاق عليه.
لقد كان الرئيس الأسبق “جعفر نميري” رجل دولة وقائداً ملهماً فضم إلى جانبه خيرة أبناء الوطن من المهندسين والأطباء وأصحاب الخبرات الفذة، والتف حول النظام أبناء الشعب السوداني، بدأ النظام في تشييد المدارس والمستشفيات وبدأ في حل مشاكل العطش، حاول أن يكسب الشعب من خلال البرامج التي كان يقدمها.. كان الرئيس “نميري” في بدايات حكمه مخلصاً ووطنياً غيوراً ولذلك أبدع الكتاب والشعراء في كتابة أجمل القصائد وتغنى له الفنانون بأجمل الأغاني الحماسية والوطنية.
يا أب عاج أخوي يا دراج المحن..
جيتنا وفيك ملامحنا
أنت يا مايو الخلاص يا جدارا من رصاص
نقوله نعم ليك يا القائد الملهم
تغنى “وردي” بأجمل وأعذب الكلمات وكذلك الراحل “سيد خليفة” وغنت “البلابل” وغيرهم من الفنانين الذين لم يغنوا لأي نظام لا قبل ولا بعد.
وكعادة الأنظمة العسكرية ضيق النظام الحريات على الناس وانتشرت أجهزة الأمن في كل مكان تراقب المعارضين، حتى كان الأخ يخشى أهل بيته من تلك الرقابة. ولم تخلُ الخدمة المدنية أيضاً من ذلك.. ولكن نستطيع أن نقول لقد قدم النظام المايوي خلال فترة حكمه التي امتدت لستة عشر عاماً الكثير من المشاريع التنموية التي مازالت ماثلة أمامنا.
اليوم تمضي ستة وأربعون عاماً من قيام مايو التي انتهت بثورة شعبية في السادس من أبريل 1985م، ومازالت تلك الحقبة في حاجة إلى محللين بشأن الإخفاقات والإيجابيات، فيا ليت من بقي من قياداتها أن يتحدث عن تاريخ تلك الحقبة بكل صدق، حتى لا يظلمها التاريخ كما ظلم أنظمة من قبل.